ملف خاص عن جريمة ” اقتحام الحرم المكي ” عام 79
on- 2015-11-24 16:15:31
- 0
- 2892
هناك العديد من الجرائم الإرهابية التي مر بها العالم بأجمعه ومازال حتى الآن يدفع ثمن هذه الجرائم أرواح بشرية لا حول لها ولا قوة ، دون رحمة أو شفقة على صغير أو كبير فعند الإرهابيين كلهم سواسية ولا يفرقون بين مسلم أو كافر فيدهم تطال الجميع وبالأخص الأبرياء منهم ، وهذه الحرب التي تبدو أزلية مع الإرهاب خاضها العالم منذ سنوات طويلة ، إلا أن هناك بعض الجرائم التي لا يمكن أن تنسى مهما مر بها الزمن ، فهي جرائم طبعت في أذهان معاصريها وستظل ذكرى تلازمهم طوال حياتهم .
الإرهاب لا دين له ، هذه عبارة نسمعها كثيرا ونرددها في الفترة الأخيرة ، لكثرة العمليات الإرهابية التي تشهدها دول العالم العربي والغربي . وإذا عدنا للزمن لأواخر السبعينيات ، سنتذكر جريمة إرهابية لن ينساها كل مسلم على وجه الأرض ووثقها التاريخ بكل تفاصيلها ، فهي جريمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، منقذيها يدّعون الإسلام يعتقدون بأنهم يدافعون عنه بينما هم بعيدين كل البعد عن الدين الإسلامي وتعاليمه وأخلاقه التي تمنعنا عن قتل نفس خلقها الله سبحانه وتعالى وتمنعنا من التعدي على بيوت الله الحرام .. قصتنا لليوم هي جريمة غير عادية تفنن منفذيها بالقتل والدمار بأبشع الوسائل والطرق في حصار دام لخمسة عشر يوما وفي مكان هو الأطهر على وجه الأرض وهو الكعبة المشرفة وساحات المسجد الحرام ! .. فلنتعرف على تفاصيل هذه الكارثة الإجرامية التي لا تستطيع الكلمات وصفها .
اقتحام الحرم المكي :
يصادف يوم الجمعة الموافق 20/11/2015 ، ذكرى أبشع جرائم الإرهاب على مر التاريخ ، وهي واقعة اقتحام الحرم المكي من قبل جماعات إرهابية تدعي ظهور المهدي المنتظر ، وسقوط العديد من الضحايا وسط أبشع طرق القتل والترويع .
معلومات :
• تاريخ الاقتحام : 20/11/1979
• تاريخ انتهاء المعركة : 4/12/1979
• مكان الواقعة : أروقة الحرم المكي .
• الجماعة الإرهابية : الجماعة السلفية المحتسبة على رأسهم جهيمان العتيبي ، محمد عبدالله القحطاني ، فيصل اليامي ، علي المزروعي .
• رجال الجماعة الإرهابية : تتراوح أعدادهم ما بين 200 إلى 600 رجل .
• قادة المملكة العربية السعودية : الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود ، نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية ، بدر بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الحرس الوطني ، فاتح الظاهري .
• القوات السعودية : 10.000 رجل من الحرس الوطني
• النتائج : تحرير الحرم المكي من الجماعات الإرهابية ، سقوط 127 شهيد و 451 جريح ، ومقتل 117 من أفراد الجماعة الإرهابية وأسر وإعدام 68 منهم .
تفاصيل الواقعة :
الفكرة :
التقى كل من جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي الذي كان يعمل موظفا في الحرس الوطني السعودي والمتخرج من جامعة مكة المكرمة والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بمحمد بن عبدالله القحطاني وهو من تلامذة الشيخ البار رحمه الله عبدالعزيز بن باز ، فتوطدت علاقتهما ببعضهما البعض نتيجة لتقارب آرائهما الفكرية ، فقررا معا أن يعتزلاه المجتمع الذي يعتبرونه بأنه كافر بأكمله ، وقد وصلت علاقتهما إلى حد المصاهرة والنسب .
وبدأ القحطاني وجهيمان بنشران أفكارهما المسمومة بين شباب المدينة المنورة ، حيث كانوا يدعون بأن المجتمع لا يحكم بما شرعه الله ، بالإضافة إلى دعواتهم المستمرة لمقاطعة كل ما يتعلق بالحياة من صحافة وتلفاز وغيرها تجنبا لوقوعهم في الرذيلة ، وذلك تحت شعار ” عدم موالاة الأنظمة ” التي باعتقادهم لا تحكم بما شرعه الله سبحانه وتعالى ولا تنهي ما نهي عنه ، واستطاعا بدعوتهما هذه أن يستقطبوا العديد من الشباب إلى أن تكونت جماعة يفوق عددها الآلاف .
وفي من الأيام وبالتحديد في عام 1399 هـ جاء القحطاني إلى صهره جيهان ليخبره بأنه رأى مناما يظهر به بأنه المهدي المنتظر وأنه سيقوم بتحرير الجزيرة العربية والعالم بأكمله من الظالمين ، فصدق جهيمان رواية صهره دون أن يشكك بها ، بل العكس تماما بل بدأ بالتفكير في طريقة ينفذ بها منام صهره القحطاني ليبلغ العالم بظهور المهدي المنتظر من قبل جموع المسلمين ، فبدأ ينسخ خيوط عمليته الإرهابية من هذا المنطلق ووجد بأن بداية القرن الهجري الجديد هو أنسب الأوقات لتنفيذ مثل هذه الخطة الجهنمية لكي يلتقي المسلمين بالمهدي ويبايعونه في وسط بيت الله الحرام ! .
الاقتحام :
في يوم الأول من شهر محرم لسنة 1400 هجرية الموافق العشرين من شهر نوفمبر من سنة 1979 ، تجمع المصلين للاستعداد لصلاة الفجر ، كان في ذلك الوقت رجال جهيمان يدخلون شاحنات محملة بالذخيرة والتمر والماء إلى الحرم المكي ، وبعد انطلاق آذان الفجر وبين جموع المصلين دخل رجال جهيمان بنعوش يدعون بأنها لموتى يراد الصلاة عليها إلا أنها كانت محملة بالأسلحة والذخيرة بهدف اقتحام الحرم المكي واحتلاله من قبل جهيمان وصهره ، وفي غضون أقل من ثلث ساعة على رفع الآذان تقدم الشيخ محمد بن عبدالله السبيل ليؤم بالمصلين ، وإذ بشاب ملتحي تبدو عليه الملامح الحادة يستولي على الميكروفون الخاص بالإمام ، ووجه نداء إلى المصلين يطالبهم بالجلوس والاستماع لبيان هام ، فسادت في أرجاء البيت الحرام حالة من الاضطراب والخوف ، ودخل بعض رجال جهيمان من القناصة إلى مآذن الحرم وبعضهم أمام أبوابه بهدف منع المصلين من الخروج من الحرم لإجبارهم على سماع البيان ، وحاول رجل من الجماعة المسلحة من إغلاق باب الحرم مما أدى إلى اشتباكه مع أحد الحراس انطلقت رصاصة من سلاح الرجل إلا أنها ارتدت إليه فأردته قتيلا ، فعمت الفوضى بين المصلين وعلت صراخ النساء والأطفال من شدة الذعر وبالرغم من هذا بدأ خالد اليامي وهو من رجال جهيمان بخطبته الشهيرة حول المهندي المنتظر وعلاماته ومبايعته وأبلغهم بأن المهدي المنتظر الذي طالما ينتظرونه هو موجود في الحرم حتى يتلقى البيعة . وبدأ جهيمان ورجاله بإجبار المصلين للتقدم إلى الكعبة بين الركن والمقام من أجل مبايعة صهره القحطاني باعتباره المهدي المنتظر كما يدعي ، فما كان من بعض المصلين إلا الرضوخ إلى أوامر الجماعة من شدة الخوف بين كم الأسلحة التي تحيطهم .
وفي تلك الأثناء استطاع الشيخ عبدالله السبيل من الاتصال بالشيخ ناصر بن حمد الراشد رئيس شئون الحرم المكي في تلك الفترة وأخبره عن الواقعة ، وفي غضون دقائق معدودة وجه الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية تعليماته بمحاصرة الحرم المكي ولكن دون أن يتم مواجهة المسلحين خوفا على المصلين ومنعا لإراقة الدماء ، واستطاعت القوات المسلحة السعودية من حصار الحرم بالفعل ، وفي المقابل بادرت الجماعة المسلحة بإطلاق النيران على القوات السعودية ، وانتقل القتال بين أروقة البيت العتيق وأصبحت الجماعة تطلق الرصاص بشكل عشوائي ، وقد دامت المواجهة في اليوم الأول بين الجماعة والقوات السعودية لمدة أربع ساعات متواصلة ، فقام الملك خالد بن عبدالعزيز بتوجيه دعوة عاجلة لكبار العلماء في المملكة لاطلاعهم على الموقف ، فيما وصلت قوات الحرس الوطني من جدة والطائف لمساندة الجيش استعدادا لتحرير الحرم من الجماعة المسلحة ، وطالبت القوات السعودية عبر مكبرات الصوت من الجماعة الرحيل وفك المحتجزين والرهائن ولكن لا حياة لمن تنادي فقوبل النداء بالرفض القاطع وسط إطلاق رصاص مكثف .
وفي يوم الثالث من محرم 1400 هـ تم إطلاق سراح النساء والأطفال في الحرم المكي مع الاحتفاظ بجميع الرجال بمن فيهم كبار السن ، وحاول القحطاني إقناع المحتجزين بأنه مخلد ولن تتمكن القوات من قتله حيث كان يردد ” أن المهدي يا أعداء الله ” إلا أن مشيئة رب العالمي أدرته قتيلا بعد انفجار قنبلة بين يديه وهروب رجاله دون أن يسعفوه ، وقد شكل وفاة القحطاني صدمة كبيرة لأتباعه وبالأخص لجهيمان الذي لم يصدق خبر وفاته معتقدا بأن القوات المسلحة تدعي وفاته .
تحرير الحرم المكي :
بعد أن تم تضييق الخناق على رجال جهيمان ، تمكنت القوات السعودية من القبض على عدد كبير منهم ومباشرة التحقيق معهم لمعرفة مصادر السلاح وكيفية دخوله إلى الحرم المكي ، وهذا ساعد القوات من الكشف عن الكثير من الخيوط الغامضة في الجريمة مما أدى إلى القضاء على الجماعة المتبقية في أقبية الحرم والتي كان آخرها جهيمان العتيبي ، واستطاعت القوات السعودية من تحرير الحرم في اليوم الخامس عشر من محرم .
حكم الإعدام :
تم تنفيذ حكم الإعدام حدا بالسيف على جميع من تمت إدانتهم في واقعة اقتحام الحرم وذلك في يوم الأربعاء من الشهر التاسع من صفر 1400 هـ ، حيث أعدم 68 شخص وحكم بالسجن على 19 آخرين .