"أحد رفيدة" موطن الحضارة والتاريخ والآثار
on- 2015-07-31 09:31:48
- 0
- 6309
تقع محافظة أحد رفيدة شرقي منطقة عسير وتفصل محافظة خميس مشيط ومركز الشعف بينها وبين مدينة أبها، وتحدها محافظة خميس مشيط من الشمال، ومن الغرب والجنوب محافظة الشعف، ومن الجنوب الشرقي محافظة سراة عبيدة وكذلك من الشرق.
وتشمل على عدد من الجبال البارزة في المنطقة، والسهول والهضاب وبعض الأودية المشهورة، ففي غربيها تقع جبال الصحن ومهلل، والصفق والمربع، وتنتشر الهضاب ذات الأسماء المتعددة في وسط وشرق المحافظة، وأبرز هذه الهضاب في "واض" و"الصوح" و"الفرعين"، وأكثرها اتساعاً الجزء المعروف ب "الهضب"، وتتخلل هذه الهضاب والجبال سهول صالحة للزراعة، ترويها الأودية وأشهرها سهل الواديين، وسهل بيشة الذي يجري فيه وادي بيشة حيث يتجه شمالاً ليروي محافظة خميس مشيط ومحافظة بيشة، وهناك واد آخر يمده بالمياه وهو لا يقل عنه أهمية ويعرف بوادي "عنقة" الذي يستمد مياهه من وادي "منع" ووادي نور، ويتخلل هذه هضاب "الهضب" وادي كبير يعرف ب "التندحي" - نسبة إلى قرية تندحة، يستمد مياهه من أعالي جبال "سراة عبيدة"، وهناك وادي الحويب الذي يروي الأجزاء الشرقية من سهل الواديين، ووادي العقالة الذي يروي بعض الأجزاء الغربية من تلك السهول، وكلاهما يلتقيان شمال هضاب "المحجر" في وادي كبير يعرف ب "عتود" ومناخ المحافظة يميل إلى الاعتدال.
تشكل محافظة أحد رفيدة حالياً جزءاً كبيراً وهاماً مما كان يعرف قديماً - أي منذ حوالي ألف وخمسمائة عام - بمخلاف أو إقليم (جرش) وذلك نسبة إلى قاعدته المشهورة قديماً بهذا الاسم، والتي نسب إليها هذا الإقليم وسمي باسمها، وقد تحدثت عن هذا الإقليم بعض المصادر وأبرزها كتاب "صفة جزيرة العرب" منذ حوالي الألف عام من الآن، وقد أعطانا الهمذاني في حديثه عن مخلاف (جرش) معلومات مفيدة لوصف جوانب من تاريخ الإقليم السياسي في زمانه والأزمان السابقة له، كما أمدنا بمعلومات جغرافية هامة عن بعض جوانب النشاط البشري التي كانت تشتهر به مدينة "جرش" قاعدة ذلك الإقليم، ومن ذلك أنه ذكر أنه كانت تشتهر بصناعة بعض المعدات العسكرية مثل الدبابات وغيرها، وتؤكد ذلك بعض روايات وردت في بعض كتب السيرة النبوية، التي تشير إلى أن أشراف الطائف كانوا يرسلون أبناءهم لتعلم تلك الصناعات، واشتهرت أيضاً بصناعة الأدم (دباغة الجلود) فيقال أدم جرشية نسبة إلى مدينة "جرش" قاعدة ذلك الإقليم، لم يبق من آثار هذه المدينة الآن إلا أكوام من الحجارة واللبن في موقع المدينة القديمة، التي تقع على الضفة الغربية لمجرى وادي "بيشة" مقابل جبل بركاني التكوين يعرف بجبل (حمومة) في أحد رفيدة.
وتلك الخرائب وأطلال القديمة "جرش" كانت ماثلة للعيان إلى قرب منتصف القرن الرابع عشر الهجري إذ تحدث عنها القائد التركي سليمان شفيق كمالي في مذكراته، ويؤكد صحة قوله ما يحدثك به عنها كبار السن من أهل هذه البلدة هناك.
نجد أن التاريخ يذكر الوفد الجرشي الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في عام الوفود وما حل بأهل المدينة من كارثة على يد أحد أصحاب النبي صلى الله ع ليه وسلم وهو صرد بن عبدالله الأزدي، الذي أوقع بأهل جرش في السهل الممتد شرقي جبل "شكر" الذي تقع فيه مدينة الملك فيصل العسكرية.
وفي الإسلام نجد أن هناك عدداً من أشراف أهالي جرش قد اتصلوا بالمدينة المنورة وبالشام أو بغداد، فقد كان الغاز بن ربيعة الجرشي وأبناه عبدالملك وهشام من وجوه الإقليم لدى معاوية بن أبي سفيان، وكان الحارث بن عبدالرحمن بن عوف بن ربيعة من وجوه القوم المعروفين لدى أبي جعفر المنصور.
وإذا تأملنا في بعض كتب السيرة والتراجم والأنساب، وجدنا ذكراً لعدد من رواة الحديث، ومن العلماء البارزين المنسوبين إلى جرش. وهناك زعم لبعض المؤرخين أن "الخيزران" أم الخليفة العباسي الهادي، والخليفة هارون الرشيد هي في الأصل من أهل جرش.
والظاهر أن الإقليم كان يتبع الحاكم الأموي في مكة، ثم الوالي العباسي في أيام إقبال بني العباس، ولم تمدنا المصادر المتاحة بعد ذلك بأخبار عن ذلك الإقليم.
والشواهد الأثرية تدل على أن ما حول مدينة "جرش" كان آهلا بالسكان لكثرة انتشار المقابر القديمة وخاصة جنوبي المدينة، حيث يقام الآن سوق الأحد، وهو أحد رفيدة الذي كانت تحميه قبيلة رفيدة، وترتاده قبائل قحطان وعسير وشهران وغيرها، حتى إذا ما وصلت الدعوة الإصلاحية إلى الجنوب، انضم إقليم أحد رفيدة وبلاد رفيدة طواعية للدولة السعودية الأولى، وبقوا بعد ذلك يضمرون الولاء حينما ضعفت الدولة العباسية الأولى، حتى إذا ما جاء عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - سارعت قبائل رفيدة وأحد رفيدة للانضواء تحت راية العدل والتوحيد، حيث نعمت بالأمن والاستقرار والتقدم.
تختلف الأسواق التي سنذكرها عن أسواق المدن الدائمة، فأسواق المحافظة يغلب عليها الطابع المحلي التقليدي، ولا تزال تعقد بصفة دورية كل أسبوع مرة، وأهم تلك الأسواق (سوق أحد رفيدة) الذي تنسب إليه مدينة أحد رفيدة الحالية، وكان هذا السوق قبل العهد السعودي الحديث بفترات أن يحمي من قبل قبيلة رفيدة، التي اكتسب منها السوق اسمه، ويعقد هذا السوق كل يوم أحد من كل أسبوع.
ويأتي سوق "الجمعة" في الواديين من بين الأسواق الشعبية البارزة في المحافظة على تراث المنطقة، وهناك أسواق أخرى، منها "سوق الربوع" أي الأربعاء، وهو سوق كان يعقد في شعف لجوان و"سوق السبت" في الفرعين، ولكن النشاط بهما ضعف مؤخراً فلم يعد أحد يرتادهما لقلة النشاط التجاري.
كثير من المسميات التي تشتمل عليها المحافظة لا تزال تحتفظ بأسمائها منذ حوالي ما قبل الألف، وألف وخمسمائة عام، فنجد في كتاب الهمداني المشار إليه سابقاً ذكراً لدرب العقيدة وجرش، وحمومة، ووادي عنقة، ووادي بيشة، والربة، وسعيا، وشكر، والواديين وغيرها.
ومن أبرز تلك الأماكن "جرش" وتقع جهة الشمال في مدينة أحد رفيدة وهي عبارة عن أكوام من الرمل والحجارة حالياً، محاطة بسور خاص تشرف عليها وزارة المعارف، ويذكر أن كثيراً من الحجازة مكتوب عليها قد نقلها أهل القرى المجاورة واستخدموها في بناء آبارهم وأغراض أخرى زراعية، وأبرز ما بقي هناك قطعة واحدة من طرفي، "رحى" كانت تستخدم من قبل سكان المدينة "جرش" القديمة، وهي قطعة ضخمة جداً من الصخور النارية القديمة، وقد نقلت القطعة الأخرى من الرحى ذاتها إلى حديثة بمدينة الملك فيصل العسكرية، ولا شك أن جهد الإنسان مهما كان لن يحرك تلك الرحى، ولعلها كانت تدار بواسطة حيوانات قوية جداً كالخيل، البقر، الإبل، وغيرها.
وجبل (حمومة) يتميز بوجود نقوش وصور أعلاه مليئة بعبارات منقوشة يقال بأنها كتبت بالخط المسماري، أو المسند الحميري. وفي أعلى الجبل حفريات بسيطة كشفت عن وجود قطع صغيرة من الفخار في قمة الجبل، لكنها لم تدرس بصفة علمية إلى الآن.
ويناظر (حمومة) من جهة الغرب جبل (شكر) ويعرف اليوم باسم (ضمك) وهو عبارة عن عملاق صخري عظيم، أقيم حوله مدينة الملك فيصل العسكرية. والآن يستفاد من الجبل لأغراض عسكرية.
وإذا صعدنا جنوباً إلى الواديين ثم اتجهنا صعوداً أيضاً جنوبيها إلى منتزه (صفحان) و(الحبلة) وجدنا جبل (مهلهل) و(الشعراء) وباعاليهما صخور عليها نقوش أثرية قديمة جداً، ربما تعود إلى الخط المسماري أو المسند الجنوبي المعروف لدى أهل الآثار.
وبالعودة مرة أخرى الى الواديين، وبالذات قرية (آل لوط) نجد من أهم معالمها (قصبة غاشية) التي هي عبارة عن مرقاب عسكري يحمي القرية ومزارعها ساعات الخوف من الأزمان الخالية، وقد شيدت هذه القصبة بشكل يمنع تسلقها من الخارج، إذ نجد البناء يتسع من الوسط وبجانبها كهف صخري يعرف ب (كهف علي بن سعدان) وفوق صخرة ذلك الكهف منزل. والكهف يتميز بوجود نبع مائي بقربه يمر بداخل الكهف حتى ينتهي في المزرعة.
وإذا اتجهنا إلى الفرعيين، وهي عبارة عن ضاحية عظيمة تشتمل على قرى كبيرة، وقد تصبح قريباً بنموها السريع من المدن البارزة في المحافظة، فإن أهم معالمها الأثرية والتاريخية قرية (سعيا) التي ورد ذكرها في كتاب الهمداني عن صفة جزيرة العرب، وهي الآن تحتوي على خرائب قرية قديمة مبنية منازلها من الحجر والرمل، وبها آبار قديمة وجامع قديم، ويلاحظ أنها كانت محاطة بسور لحماية القرية، وكان يوجد ضمن نطاق السور كل ما يحتاجه أهل القرية في ساعات الخوف. ومن ما يميزها بناء يعرف ب (قنة المبنى) وقد شيدت من الحجر فوق رأس هضبة تطل على القرية وهي عبارة عن حصن دفاعي.
أما هضبة (زبيد آل قشاد) فهي عبارة عن قرية قديمة تنتظم منازلها الأثرية على متن هضبة صخرية تطل على مزارع أهل القرية، وعلى طرفي القرية حاميتان (مرقابان) يسموان على منازل القرية علوا، ويتكونان من سبعة أدوار وربما أكثر،، ولهما مداخل صغيرة، ويبدو أن المدافعين كانوا جميعاً في الأدوار في حالات الحروب للمراقبة والدفاع.
لا يمل السائح والزائز لمحافظة أحد رفيدة أينما قام سواء في أحد رفيدة أو الواديين أو الفرعين، فبالإضافة إلى قرب محافظة أحد رفيدة من منتزهات أبها و(الشعف) و(القرعاء) و(دلغان) و(تمنية) ومنتزهات خميس مشيط (الحرابي) و(المراث) وذلك بسبب موقع المحافظة المتوسط، فإن المحافظة تضم عدداً من المنتزهات البرية الجميلة، والتي بدأت تمتد إلى بعضها عناية البلدية والقائمين على السياحة بالمنطقة. ومن تلك المنتزهات وفي مقدمتها بالقرب من الواديين (منتزه الحبلة) تلك القرية القديمة الواقعة تحت جبل صخري شاهق الارتفاع، وكان أهلها يعانون من صعوبة الاتصال، ويعتمدون على الجبال في رفع وانزال حاجاتهم، ولكن حكومة المملكة - وفق الله قادتها - قد تنبهوا لمعاناتهم فأمر المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ببناء قرية لهم عرفت بقرية الملك فيصل الخيرية.
أما قرية الحبلة القديمة، فقد تركها أهلها ليقام عليها بعض المشاريع السياحية بعناية خاصة فغدت مقصد سياح المنطقة وزائريها كل حين، إذ أقيمت بعض الوحدات السكنية الجميلة والمزودة ببعض وسائل الترفيه البريء، كالسباحة وألعاب أخرى، وهناك مطعم في أعلى المطل يقضي فيه الزائر بعضاً من الوقت.
أجمل ما يميز الحبلة الآن ذلك الجهاز الضخم الذي يصل الواقف في المطل بالقرية بسهولة، وهي العربة المعلقة في حبال حديدية يعمل بالكهرباء ويعرف ب (التلفزيك) إذ يمتطي الزوار والسياح هذه العربة فتهبط بهم إلى القرية في زمن قياسي، وجو من المغامرة والمتعة، حيث يقضون بعض الوقت في القرية ويتمتعون هناك بالمناظر الجميلة الخلابة من الأشجار والجبال وينابيع الماء التي تنبجس من أطراف الصخور. ويمكن للزائر أن يتناول ما يشاء من طعام وشراب في جو عائلي مع أسرته، إذ خصصت بعض الشاليهات الصغيرة ذوات المظلات الجميلة، والتي تمنح الزائر جواً من الخصوصية والمتعة.
وبقرب الحبلة، فهناك جبل (مهلهل) وجبل (الشعراء) للزائر الذي يرغب في التسلق على الأقدام ومشاهدة الكهوف والطيور والاستمتاع بالرؤية من أعلى الجبل، وكذلك بعض النقوش الأثرية هناك.
ومن المنتزهات أيضاً هناك (المربع) على بعد 5كلم من مدينة أحد رفيدة، ويمتاز بسهولة أرضه والأشجار الضخمة ذوات الظلال الوارفة، وتوفر المياه في موسم الأمطار صيفاً وتتخلله بعض الهضاب الجميلة المكسوة بالنباتات والأعشاب الطبيعية.
وفي شعف جارمة وخطاب هناك منتزه (الرونة) ويمتاز بهوائه البارد، وبأشجار العرعر والطلح، وخضرته الدائمة، ويطل على منحدرات جبال تهامة، ويبهج الزائر بخضرته وجماله، ويمكن للزائر أن يقضي فيه يوماً من المتعة. وكذلك منتزه (عريبة) الذي يمتاز بهوائه العليل وأشجاره ذوات الظلال الوارفة وخضرته الدائمة وكلاهما يبعد عن مدينة أحد رفيدة بحوالي 20كلم جنوباً. وقربها يقع منتزه (الصفق) وهو عبارة عن واد جميل مملوء بالأشجار الضخمة، وهي أشجار الطلح ذوات الظلال الوارفة، ويذهب إليها الزوار وأهل المدينة في نهاية كل أسبوع ويقضون ساعات من المتعة هناك.
ومنتزه (الجوف) ويقع شرقي مدينة أحد رفيدة بحوالي 10كلم، وشمالي الفرعين الذي يمتاز بأشجاره الضخمة ومياهه التي لا تنقطع غالباً، ومن دونه أيضاً منتزه (الروان) بأشجار الطلح الباسقة الضخمة.
محافظة أحد رفيدة إحدى المحافظات المهمة بين محافظات المنطقة من حيث الموقع والنشاط السكاني في مجالاته المتعددة، ولهذا فقد حظيت في السنوات الماضية باهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين في ظل التنمية الشاملة، ونحن حيث نتحدث عن أحد رفيدة، نعني بذلك المحافظة بحدودها وجهاتها إذ يتبعها إدارياً مركز الواديين، ومركز طريب، ومركز العرين، ومركز الخنقة. وكلها بها من الأماكن الأثرية والمنتزهات ما يشبع رغبة المصطاف والسائح. بالإضافة إلى دور السكن المعدة لذلك وغيرها من الخدمات الأخرى الخاصة والعامة، مما يحتاجه السائحون والمصطافون ونظراً لهذه الأهمية فقد توفرت في المحافظة جميع الإدارات الحكومية تقريباً.