مسجد المدي يحمل عبق التاريخ الإسلامي والحضارة العريقة
on- 2022-11-15 10:16:17
- 0
- 581
اتخذ المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود منطقة المربع سكنًا له، وأمر رحمه الله في بداية الستينات الهجرية بإنشاء ماء سبيل (حوض سقيا، يُسمى مدي) على حافة طريق المربع ليكون قريبًا من المارة ويزودهم المكان بالماء إذ لم تكن في الرياض آنذاك شبكة للمياه، وكانت إقامة المدّي وسُبل الماء لسقيا الناس من أعظم الأعمال الخيرية، ومع مرور الوقت ازدهرت المنطقة المحيطة بالمدي، واكتملت مرافق وخدمات مدينة الرياض، ولم يعد الناس بحاجة لمدي المربع فاندثر، وأقيم في موقعه مسجد المدي.
صمم مسجد المدي على النمط التقليدي للمساجد في مدينة الرياض، بطريقة تربط بين روح التصميم التراثي وبين التطور المعماري الذي بني عليه مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، وتتمثل في تقنية البناء ومادته، واستخدام الطوب المضغوط، والأقواس، والقباب، ليحمل المسجد ملامح المعمار المحلي التراثي في بناء المساجد في العاصمة. مسجد المدي من أوائل المنشآت المعمارية في المملكة التي يتم فيها تطبيق التقنيات الحديثة في أساليب البناء باستخدام مواد طينية محلية "الطين المضغوط"، وبخاصة وأنها أثبتت جدواها الاقتصادية ومرونتها التنفيذية وكفاءتها التشغيلية بما يعود بالنفع على قطاع الإنشاءات والعمران، ويسهم في دعم مسيرة التطوير الحضري لمدينة الرياض.
وأخذ في تصميم المسجد، تناسبه مع المستوى العمراني الذي تتمتع به منشآت مركز الملك عبد العزيز التاريخي، إذ حافظ المسجد على كافة عناصر عمارة المساجد المحلية من وجود الفناء "السرحة" ودرج المئذنة، إضافة إلى بعض العناصر الجمالية المشابهة لـ "المداير" في العمارة المحلية.
يتسع مسجد المدي لنحو500 مصل، ويخدم المناطق المحيطة بشرق مركز الملك عبد العزيز التاريخي والعابرين لشارع الملك فيصل والمتنزهين في تلك المنطقة. وأقيم في موقع المسجد القديم الذي يعود تاريخه إلى عام 1362 هـ تقريبا. وكان موقع المدي يقع على حافة طريق يعرف بـ "سكة المربع" وهو طريق رصف بالحجارة عام 1360هـ تحيط به أراض مزروعة بمزروعات شتوية "البر والشعير"، ويقابله من جهة الشمال الغربي حي "الشمسية"، ومن الشرق قصر المربع، ومن جهة الجنوب قصر "خزام" للأمير فيصل بن سعد بن عبد الرحمن رحمه الله.
وكان بالقرب من المدي أرض فضاء "صحراء" كانت تقام فيها العروض الشعبية وسباقات الخيل ويحضرها الضيوف الرسميون للمملكة. ومع مرور الوقت اندثر الموقع بعد أن أفاء الله بمصادر متعددة للمياه تتناسب وحجمها واحتياجاتها، وبقي مسجد المدي القديم في موقعه إلى حين افتتاح مركز الملك عبد العزيز التاريخي في عام 1419هـ، حيث جرى هدم المسجد ضمن مشروع تطوير الواجهة الشرقية للمركز، ليعاد بناؤه مرة أخرى في موقعه القديم مع زيادة مساحته وحجم مبانيه بحيث أصبح يقع على الضفة الغربية لشارع الملك فيصل ليكون قريبًا من المارة والعابرين، ويصبح ثاني مساجد المركز التاريخي بعد جامع الملك عبد العزيز. ويظهر طابع العمارة التقليدية جليا في مسجد المدي الجديد، وذلك ابتداء من شكله الخارجي الذي تكسوه مادة الطين، وامتداداً لتخطيط المسجد يختلف في أسلوبه البناء عن البناء الحديث بعدم استخدام الأعمدة الخراسانية، وصولاً إلى الأعمدة والعقود والقباب واستخدام الخشب الذي يضفي طابعاً خاصاً للمسجد يميزه عن بقية المساجد الحديثة في المدينة.
يتكون المسجد الذي تبلغ أبعاد مصلاه 25 مترا مربعا في 14 مترا مربعا بارتفاع ستة أمتار، ويتشكل المصلى المسقوف من أربعة أروقة متوازية مع جدار القبلة، يرسم ملامح هذه الأروقة مجمعة أعمدة بنيت بالطوب المضغوط بالنمط التقليدي ترتبط مع بعضها الآخر بأقواس طينية. ولتمييز مكان الإمام فقد سقف بقبة عالية يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار تقريبًا، إضافة إلى إقامة ثلاث قباب أخرى تعلو مداخل المسجد الداخلية، فيما سقفت أروقة المسجد بـ 10 قباب تتخللها فتحات للإنارة الطبيعية. مئذنة المسجد بنيت بالطوب الطيني المضغوط، وتم تسقيفها أيضاً بالقباب بارتفاع يصل إلى 18متراً، ووزن يبلغ 180طناً.
وبما يتفق مع تخطيط المساجد التقليدية في المنطقة، أضيف إلى المسجد صحن خارجي بنيت جدرانه الخارجية بعروق التربة المدكوك بأبعاد تبلغ 21 متراً في 14 متراً. وللمسجد ثلاثة أبواب، يقع الرئيسي منها في الجهة الشرقية بحيث يطل على شارع الملك فيصل، أما الباب الثاني ففي الجهة الجنوبية تحت المئذنة ويفضي إلى حديقة المدي المجاورة للمسجد وإلى دورات المياه والمرافق، فيما يقع الباب الثالث في الجهة الشمالية للمسجد.
ولإضفاء طابع العمارة المحلية على المسجد، فقد جرى استخدام كافة مفردات العمارة التقليدية في بناء المساجد، والمتمثلة في النوافذ والأبواب الخشبية المزخرفة "الحداير"، وامتد ذلك على الأبواب الحديدية التي ظهرت وكأنها تحاكي الأبواب الخشبية، كما أحيطت الأعمدة الداخلية بأحزمة من الزخارف الجبسية التقليدية.