البحث اللغوي عند العرب
on- 2022-03-14 13:10:34
- 0
- 764
لم يعرف العرب قبل الإسلام أي بحث لغوي يذكر. وكغيرهم من الأمم، كان البحث اللغوي خدمة لكتب الشريعة لكل أمة، ومن أجل تفسيرها وفهم معانيها. ورغم تأخر البحث اللغوي عند العرب حتى القرن الثاني للهجرة، إلا أن العلماء العرب قد أتقنوا الدرس اللغوي، فجاءت بحوثهم كاملة شاملة لكل علوم اللغة العربية من نحو وصرف ومعجم ودراسة الأصوات وحتى الدراسة المقارنة.
المصادر اللغوية
حصر اللغويون العرب مصادرهم التي استقوا منها مادتهم وبنوا عليها قواعدهم في خمسة مصادر : القرآن الكريم (واعتبروه أعلى درجات الفصاحة)؛ والقراءات القرآنية (التي جاءت وفقا للهجة من لهجات العرب)؛ والحديث النبوي الشريف (وقد رفضه الكثير من النحاة ذلك أن الرواة أجازوا فيه النقل بالمعنى ووقع فيه كثير من اللحن عند الرواية)؛ والشعر العربي (استشهدوا به حتى المجهول قائله رغم خروجه عن اللغة السليمة من أجل الضروريات وحصروا مصدرهم في الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين)؛ والشواهد النثرية (ما جاء في شكل خطبة أو وصية أو مثل أو حكمة أو مشافهة عن بعض الأعراب ممن لم يختلطوا مع الأعاجم). وفي ذلك كله قد استكملوا الثغرات بالمنطق والقياس لا بمعاودة المشافهة.
الدراسات اللغوية عند غير العرب
اتجهت الدراسات اللغوية عند غير العرب إلى النحو ودراسة الأصوات والمعجم، فقد ظهرت في الهند القديمة دراسات للغة السنسيكريتية في فروع علم اللغة المختلفة تناولت الاشتقاق والأصوات والنحو والمعاجم. وقد درسوا الصوت المفرد والمقطع ووُجد فيها ما يقارب اثنتي عشرة مدرسة نحوية يمثل النحو البانيني فترة النضج فيها.
أما عند اليونان فقد كان تطوير النظام الهجائي للكتابة أول عمل لغوي عندهم، وكان التفكير اللغوي عندهم مرتبطا بالفلسفة (الفلاسفة السفسطائيين). وبعد ذلك نُقلت الدراسة اللغوية إلى الرواقيين الذين فصلوها عن الفلسفة. والمصريون القدامى اتجهت دراساتهم إلى فروع عدة: الفيلولوجيا والنحو والمعاجم حول اللغة اليونانية.
وترجم السريان النحو اليوناني وقلدوه. ولم تزدهر الدراسات اللغوية عند العبرانيين إلا بعد اختلاطهم بالعرب وخوفهم من ضياع لغتهم. ومع هذا بدأت دراسة اللغة والنحو العبرييْن لخدمة كتابهم المقدس. ويشهد للصينيين بوفرة كتب علوم لغتهم وقد كانت لهم دراسات صوتية.
الدراسات اللغوية عند العرب
أولا: نشأة الدراسات اللغوية عند العرب
بعد أن دوَّن العرب الحديث النبوي وألَّفوا في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني، اتجه العلماء إلى تسجيل العلوم غير الشَرعية كالنحو واللغة وإن لم تقصد لذاتها إنما باعتبارها خادما للنص القرآني، ومنها محاولة أبو الأسود الدؤلي ضبط المصحف بالشكل.
وقد بدأ أهل اللغة بجمع المادة اللغوية (متن اللغة) عن طريق المشافهة ثم تصنيفها و تبويبها. وهكذا تُوِجت هذه الجهود بالمعاجم العربية المنظمة. والبحث النحوي بدأ متأخرا عن جمع اللغة. وقد اختُلِف في أول واضعٍ للنحو العربي إن كان أبو السود الدؤلي، أم علي بن أبي طالب، أم عمر بن الخطاب، أم زياد بن أبيه هو من حرك أبو الأسود الدؤلي لوضع النحو.
إلا أن السبب في وضع النحو، أيا كان واضعه، ما فشي من لحن عقب الفتوحات الإسلامية وفساد ألسنة العرب أنفسهم (من أشكال اللحن: تسكين أواخر الكلمات). وقد تمت أوليات الدراسة النحوية في مدينة البصرة في الفترة الممتدة من أبي الأسود الدؤلي إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي.
ثانيا: البحث الصوتي
عالج اللغويون العرب المباحث الصوتية مختلطة بغيرها من العلوم، فبالنسبة للنحاة فقد عالج سيبويه الإدغام في نهاية مؤَلفه "الكتاب" وعالجه المبرد في كتابه "المقتضب"، كما تناول المعجميون بعض المشاكل الصوتية، واهتُم بهذا النوع من الدراسات في المعاجم التي رتبت ترتيبا صوتيا كـ"العين" الذي تناولت مقدمته مشكلات صوتية كترتيب الحروف صوتيا ومخارج الأصوات، أما معجم "الجمهرة" فقد زيد فيه على ذلك الحديث عن الحروف التي تتآلف ولا تتآلف في الكلمة العربية.
، كما ساهم علماء التجويد والقراءات القرآنية والمؤلِفون في إعجاز القرآن وعلوم البلاغة اللذين أثروا البحث الصوتي بمباحث فيما يتعلق بتنافر الأصوات وتآلفها والحديث عن مخارج الأصوات، وأول من أفرد المباحث الصوتية بمؤَلفٍ مستقل هو ابن جني في كتابه "سر صناعة الإعراب"، وقد كان لابن سينا عمل يدخل تحت الدراسة الصوتية هو رسالته "أسباب حدوث الحروف".
ثالثا: النحو والصرف
كان الصرف في أول نشأته مُدمجا ضمن باب النحو وقد جمع مباحثهما سيبويه إمام النحاة في مؤَلفه المعروف بـ "الكتاب" ولم يطور الذين تلوْه هذا العلم بالقدر الكافي، وتحولت كثير من الدراسات اللغوية بعده إلى مجرد الشروح له، وفضل الخليل بن أحمد في "الكتاب" لا يُجحد، وفي نفس الفترة التي كان الخليل وسيبويه ينشران علمهما في مدينة البصرة وُجدَ عالمان آخران في الكوفة هما أبو جعفر الرؤاسي الذي صنف كتابا سماه "الفيصل" ومعاذ الهراء الذي اشتغل بالصرف حتى قيل أنه واضعه، وبعد ذلك سار نحاة البصرة والكوفة جنبا إلى جنب وتنافسا في البحث والإنتاج.
وكان من نحاة البصرة الأخفش سعيد بن مسعدة، وقطرب المازني، والمبرد؛ ومن نحاة الكوفة الكسائي، والفراء، وابن السكيت. وفي فترتهم ازدهر البحث اللغوي وظهرت الكتب الكاملة التي تعالج النحو مثل "المقتضب" للمبرد. وفي هذه الفترة انفصل النحو عن الصرف على يد أبي عثمان المازني الذي ألف "التصريف".
وبعد القرن الثالث هجري نافست أقطار ومدن أخرى البصرة والكوفة في الدراسات النحوية، أشهرها مصر والمغرب والأندلس اتجه علماء هذه البلدان إلى عرض مذهبي البصرة والكوفة وانتقادهما ومن أشهر نحاة هذه المرحلة: الزجاج، وابن السراج، والسيرافي، وأبو علي الفارسي، الرماني.
رابعا: المعجم
العمل المعجمي هو أصعب نشاط لعلم اللغة، ذلك أن المعجمي يعالج ظاهرة مفتوحة، ومحاولة حصر كلمات لغة حية تكاد تكون أمرا مستحيلا. ومن شروط المعجم الشمول والترتيب، وقد تميز العرب قديما وحديثا بتفنُنهم في أشكال معاجمهم وطرق تبويبها -لما لاحظوا طرفي الكلمة "اللفظ والمعنى"- فرتبوا معاجمهم إما على اللفظ (معاجم الألفاظ) وإما على المعاني (معجم المعاني)، و تنافسوا في معاجم الألفاظ بخلاف معاجم المعاني.