ابن الجوزي واعظ وحكيم عصره
on- 2017-06-25 16:08:21
- 0
- 1438
ابن الجوزي وهو أبوالفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن البكري، الذي ينتهي نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق، عاش في الطور الأخير من الدولة العباسية، وعرف كواحد من حكماء زمانه وبالقول المختصر المفيد في توصيل الأفكار والخبرات.
ولد أبوالفرج في عام 510هـ الموافق 1116م وتوفي في بغداد في 12 من رمضان 897هـ، ولقب بابن الجوزي نسبة إلى شجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن البلدة قد عرفت بشجرة جوز سواها، وقيل أيضا إن سبب التسمية يرجع إلى "فرضة الجوز" وهي مرفأ نهر البصرة.
وقد عاش في فترة مضطربة شهدت نهاية الدولة العباسية وسيطرة الأتراك السلاجقة على الحكم في بغداد؛ لكن ذلك لم يمنع من شهرته ومكانته الكبيرة في الخطابة والوعظ وتصنيف المؤلفات، أيضا بروزه في كثير من العلوم والفنون في ذلك الوقت.
وقد بلغ من براعته في التأليف أن كتبه أصبحت تقلد وتحاكى عند اللاحقين له من المؤلفين، حيث قام العديد من المصنفين بالنسج على منوالها.
طفولته وعائلته
كانت عائلته ثرية تعمل في تجارة النحاس، وقد توفي والد ابن الجوزي وهو في الثالثة من عمره فعاش يتيماً حيث تولت تربيته عمته، فقامت برعايته أحسن رعاية، وقد أرسلته إلى مسجد خاله محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، حيث حفظ القرآن الكريم وتلقى علوم الحديث ومعارف الدين الرئيسية.
لقد ساعدت ثروة الوالد الموسر التي ورثها عنه ابنه، في أن يكمل ابن الجوزي توجهه وطريقه في حب العلم، وتفرغه له، فأحسن وأجاد، وكان والده قد ترك له من الأموال الشيء الكثير، وقد أشار لذلك في كتابه "صيد الخاطر" وكيف نشأ في النعيم.
واستمرت علاقة ابن الجوزي بمحمد بن ناصر والأخذ منه لمدة ثلاثين سنة، وقال عنه: "لم أستفد من أحد استفادتي منه".
تنوع أساتذته وعلمه
لكن ابن الجوزي أخذ عن الكثير من علماء وشيوخ زمانه، وقد ذكر أنه تعلم على يد 87 شيخاً منهم محمد بن ناصر، وأبومنصور موهوب الجواليقي، وأبوالقاسم الحريري المعروف بابن الطبري، وأبومنصور بن خيرون، وغيرهم.
وقد أخذ عن هؤلاء العلماء علوما متنوعة ما بين القراءات واللغة والشريعة والحكمة وغيرها من المعارف.
لقد استطاع ابن الجوزي أن يصبح علامة زمانه في فنون التاريخ والوعظ والجدل والكلام، وقد بدأ التدريس والوعظ في سن مبكرة، وكان له قبول عند الناس ومحبة وهيبة، كذلك جالس الحكام والوزراء وكان مقبولا عندهم وله مكانة.
مجلس في سن مبكرة
وقد جلس للوعظ والخطابة وهو في سن السابعة عشرة من عمره، وكانت موهبته كبيرة في هذا المجال بشهادة أهل زمانه، وسرعان ما انتبه له الناس فجذبهم وصاروا يتحلقون حوله في مجلسه، لسماع مواعظه، حتى بلغت شهرته أوجها.
وبرغم الصيت والشهرة التي كسبها ابن الجوزي إلا أنه عرف بزهده في الدنيا وأحوالها، وكان يقبل على التعلم والقرب من الله، حيث كان يختم القرآن في سبعة أيام ولا يخرج من بيته إلا إلى المسجد أو مجلس العلم، كذلك يروى أنه كان جاداً وقليل المزاح.
وفي حبه للعلم وانشغاله به يقول: "إني رجل حُبّب إليّ العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبب إلي فن واحد بل فنونه كلها، ثم لا تقصر همتي في فن على بعضه، بل أروم استقصاءه، والزمان لا يتسع، والعمر ضيق، والشوق يقوى، والعجز يظهر، فيبقى بعض الحسرات".
حياة زاهد لا يحب المزاح
لقد ساهمت طفولة ابن الجوزي وتربيته في صناعة باقي حياته التي عرفت بالهدوء والزهد وحب العلم الكبير، فمنذ طفولته عاش رغم ثرائه على الزهد، وكان قليل المخالطة للناس خوفا من ضياع الوقت فيما لا ينفع ووقوع الهفوات.
يقول ابن كثير في ترجمته لابن الجوزي: "وكان - وهو صبي- ديناً منجمعاً على نفسه لا يخالط أحداً ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان".
كما يقول ابن الجوزي واصفاً نفسه في صغره: "كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم ".
لكن ذلك الانعزال للعلم لم يمنعه من تعليم الناس في مجلسه، كذلك مشاركته الفاعلة في الخدمات الاجتماعية التي تنفع الناس، فقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة وقف عليها كتبه، واستمر يدرس بعدة مدارس في بغداد كذلك ناقلا علمه للأجيال.
مؤلفات لا حصر لها
بلغت مصنفاته نحو 300 مصنف في علوم مختلفة، وقد قال عنه الذهبي: "ما علمت أن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل".
وبهذا فقد تميز بغزارة الإنتاج في التفسير والحديث والتاريخ واللغة والطب والفقه والمواعظ وغيرها من العلوم، ومن أشهر تلك المصنفات: "زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء"، "نواسخ القرآن"، ومن الأشهر له: "صفوة الصفوة"، "تلبيس إبليس"، "التذكرة في الوعظ"، "كتاب ذم الهوى"، "صيد الخاطر".
من حكمه
عرف ابن الجوزي بالقول المتقضب والوافي والحكمة، ومن حكمه المأثورة:
"العاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه"
"الكتب هم الولدان المخلدون"
"المواعظ كالسياط فلا تكثر منها"
"رب شخص أطلق بصره فحرمه الله نور بصيرته"
"إنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقاً ويتطلب دليلها"
"من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله قلوبهم أو عقولهم أو بما قد رسخ في نفوسهم ضده"