تطور الطرز الفنية في العمارة السعودية وتباينها في أربع مناطق
on- 2016-04-02 16:06:21
- 0
- 4132
يمكن التعرف على أربعة أنماط متميزة للمساكن التقليدية بالمملكة.. وقد نبعت هذه الأنماط من واقع التباين المناخي والإقليمي فيما بينها، كذلك من واقع اختلاف العوامل المؤثرة على هذه الأنماط سواء خارجية أو داخلية، إلا انه مهما اختلفت هذه الأنماط وتباينت، فهي تتحد جميعها في الثوابت المرتبطة بالقيم الإسلامية والتراث المحلي.
أبرز الأطر الفنية في العمارة الحجازية
وهي تنتشر في الإقليم الغربي للمملكة حيث نجد المناخ الحار الرطب على الساحل الذي يتحول إلى المناخ الحار الجاف كلما اتجهنا شرقا إلى الداخل. وهذا الإقليم يضم مدن مكة المكرمة، المدينة المنورة والطائف وجدة والمناطق التي تقع فيما بينها. في هذا الإقليم، نجد أن وجود مدينة جدة كميناء تجاري، كان له كبير الأثر على الطابع العام للعمارة الحجازية، حيث كانت جدة مركزا للتبادل الثقافي والتجاري فيما بين الإقليم ومختلف بلدان الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، مثل هذا التبادل أثر على تقنية البناء في الحجاز فظهرت مواد بناء – غير محلية – أكثر تطورا وثباتا وأدخلت أساليب بناء أكثر تقدما. كذلك لا يمكن أن نغفل تأثير حركة الحجاج التي تدخل إلى الإقليم عبر جدة من شتى أنحاء العالم، ولذا تعتبر عمارة هذا الإقليم استمرارا طبيعيا للعمارة الإسلامية في مصر والشام، ويظهر ذلك واضحا في المشربيات البديعة الزخارف المركبة على الفتحات والشبابيك. وقد تطورت هذه المشربيات حتى أصبحت غنية بالزخارف الخشبية، وقد أثر هذا الطابع المنتشر في جدة – بصورة واضحة على طابع العمارة في المنطقة الحارة الجافة في مكة والمدينة. وتتميز هذه المنطقة الحارة الجافة بعنصر معماري إضافي فرضته البيئة المناخية الحارة بالإقليم، وهو الفناء الداخلي الذي يعمل كملطف مناخي مع إعطاء أعلى درجات الخصوصية، بحيث تتجمع الغرف من حول الفناء الذي عادة يأخذ شكلا منتظما – سواء مستطيلا أو مربعا – في المدن ويتخذ أشكالا غير منتظمة في المناطق الريفية. وعادة يضم الفناء أحواض مياه أو نوافير للمساعدة على تلطيف المناخ. ومع استخدام الفناء تقل الفتحات الخارجية. والفناء بصفة عامة يستخدم في المنازل الكبيرة في إقليم الحجاز وهو يؤكد الاهتمام بداخلية المسكن العربي. وعادة يكون الفناء محاطا بحائط مزخرف. إلا أنه يوجد بالإقليم الساحلي طراز عمارة مميزة يعتبر خليطا بين عمارة حوض البحر الأبيض المتوسط والعمارة الإسلامية،. إلا أنه تم تطويع هذه الطرز المستوردة بحيث أصبحت تحافظ على الروح الإسلامية الأصيلة والحياة الأسرية الخاصة.
ترتفع المباني في هذا الإقليم (الحجاز) حتى أربعة وخمسة أدوار وأحيانا أخرى سبعة أدوار، وذلك استجابة للمناخ الحار الرطب وذلك بحيث يسمح الارتفاع بحركة الهواء من خلال المبنى.
والمباني عموما من الطوب والحجر ويستخدم الجبس مع الحجر كمادة رابطة لضمان العزل بينما الأرضيات والأسقف من الخشب – وعادة يستخدم الخشب المستورد من الخارج وهذا انعكاس للطبيعة التجارية الدولية لمدينة جدة. كما نجد أن التصميم الداخلي للمسكن يسمح بحركة الهواء خلال الغرف، كما توضع غرف النوم وغرف المعيشة في الطوابق العلوية لإعطائها أكبر فرصة لمرور الهواء من خلالها. والمباني عامة غنية بالزخارف الخشبية أو الجصية المنحوتة في خطوط هندسية أو نباتية زخرفية رائعة، وكل ذلك يعمل على توفير مسطحات كبيرة من الظلال على واجهات المباني مما يقوي من خاصية مقاومة المبنى للحرارة الخارجية. وبصفة عامة تبنى المباني متباعدة من بعضها البعض، وذلك للسماح بحركة الهواء من حولها ولإعطاء أكبر مسطح ممكن لعمل المشربيات التي تسمح بمرور الهواء داخل المبنى، إلا أنه يستثنى من ذلك وضع الأحياء المزدحمة التي تتلاحم فيها الكتل السكنية.
ابرز الأطر الفنية في عمارة الجنوب والمرتفعات
ومن طراز العمارة بمنطقة الجبال في الإقليم الجنوبي الغربي من المملكة والذي يضم عسير والطائف وأبها. وقد أثرت طبيعة المنطقة الجبلية المرتفعة ومناخها الرطب على سمات العمارة بالمنطقة التي تختلف عن العمارة بباقي شبة الجزيرة العربية، فعمارة منطقة عسير متأثرة تأثرا واضحا بالعمارة اليمنية المتمثلة في المساكن البرجية المبنية أعلى الجبال بينما تستغل سفوح الجبال في الزراعة. ونظرا لوعورة الأرض بالمنطقة فان المساحة الأفقية للمبنى تعتبر صغيرة نسبيا. ومن ثم يتسع المبنى في صورة رأسية لكي يستوعب كافة احتياجاته الأساسية. وعلى الرغم من التشابه الواضح مع عمارة اليمن إلا أن قرى عسير لا توجد بها حصون أو قلاع – كما هو الحال في اليمن وحضرموت – إذ أن أهل عسير اتخذوا لأنفسهم وسائل دفاعية أخرى – لحمايتهم من غارات القبائل، وذلك ببناء مساكنهم أعلى الجبال وبنائها متلاحمة مع بعضها حول طرقات ضيقة ملتوية.
المباني في عسير مبنية من الطين والحجر، وتتميز بوجود مداميك حجرية متعددة بارزة على مسافات منتظمة في صورة أحزمة كاملة تمتد حول المبنى، ووظيفة هذه المداميك الأساسية حماية المبنى من الخارج من التقلبات الجوية التي تكون في صورة أمطار كثيفة تشهدها المنطقة بحكم موقعها في قمم سلسلة الجبال. ترتفع المباني في المنطقة إلى أربعة وخمسة أدورا بحيث تخصص الأدوار العليا للنساء وأدوار الخدمات المنزلية وغرف أهل المنزل. هناك بعض المباني تكون مبنية من الحجر – الذي يجلب من الوديان – وبدون مونه بأشكال وأحجام وألوان مختلفة. مثل هذه المساكن تكون من دور أو اثنين ولضمان الثبات والترابط تحشى الفجوات بكسر الحجارة الصغير، عادة هذه المساكن تكون مزودة بفناء داخلي.
ابرز الأطر الفنية في عمارة نجد
وهو طراز العمارة بالمناطق الصحراوية الذي تتميز به المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية، وهذه المنطقة ذات مناخ حار جاف. ويميز هذا الطراز المعماري وجود الفناء الداخلي الذي لا يعمل كملطف مناخي فقط، بل يوفر أعلى درجات الخصوصية للأسرة داخل المسكن. وتستمد عمارة هذا الإقليم طابعها من البيئة الصحراوية المحيطة التي تستخدم الأفنية كحل مناخي وينعكس ذلك في قلة الفتحات الخارجية – وعند وجودها تكون ضيقة – بينما تتوجه كافة الغرف والخدمات الأخرى إلى الفناء الداخلي للمسكن الذي تفتح عليه الأبواب والنوافذ المحمية بواسطة ممر مغطى حول الفناء وعادة تتخذ الأفنية أشكالا غير منتظمة تتجمع حولها الغرف. وفي النماذج الأكثر تطورا بدأت الأفنية تنتظم أشكالها سواء بمستطيل أو بمربع وتنتظم الغرف حولها. تتصف المباني بالاتساع وانتظام خطوطها. وإذا كانت المباني من الخارج تعتبر بسيطة قليلة الزخارف والنقوش إلا أنها من الداخل غنية بالزخارف والنقوش الهندسية الرائعة، كذلك تستخدم الألوان المختلفة في تزيين الأبواب والنوافذ والأسقف، مما يضفي على المنزل البهجة وسط البيئة الصحراوية من حوله.
وعامة تتواجد المساكن متلاحمة مع بعضها بحيث تظلل على بعضها وهذا يأتي استجابة للطبيعة المناخية الشديدة الحرارة، أما المنازل الموجودة على أطراف التجمع السكني فنجدها أقل المساكن ذات الفتحات لتفادي الوهج الشديد لأشعة الشمس أثناء النهار.
وبساطة العمارة النجدية يمكن أن تعتبر نابعة من بساطة البيئة الصحراوية المحيطة، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها انعكاسا لتعاليم الدين الإسلامي في احترام حرمة البيت وأهله، فلا تبدو زينة البيت للغرباء وبالتالي توجه الزخارف والزينات إلى الداخل مع المحافظة على الطابع البسيط الخارجي.
أبرز الأطر الفنية بالمنطقة الشرقية
وهو طراز العمارة بالمنطقة التي تتميز بمناخ متأرجح بين الحار الجاف والحار الرطب بالقرب من الخليج العربي. وتتميز عمارة المساكن التقليدية بهذه المنطقة بوجود الفناء الداخلي كعنصر أساسي بالمسكن. والفناء في هذه المنطقة يتخذ أشكالا أكثر انتظاما عنها في المناطق الصحراوية. وعادة تبنى المباني في صفوف متراصة بحيث تظلل مجموعات المباني على بعضها، وتوضع المباني في صفوف ممتدة عبر اتجاه الشرق – الغرب بحيث تكون مساحات المعيشة الداخلية بالمسكن ذات توجيه شمالي وجنوبي على أن توضع غرف الخدمة والتخزين على الجانب الغربي، يراعى أن تكون فتحات الأبواب والنوافذ على ممرات مغطاة حول الفناء، بينما تكون الفتحات الخارجية قليلة وضيقة وتزود بسواتر خشبية لحماية الفراغ الداخلي من وهج الشمس والرياح المتربة. قد تتواجد نوافذ غير مباشرة لعملية تغيير الهواء بدون جرح للخصوصية أو توضع النوافذ في أعلى الجدران. في بعض الأحيان تلغى الفتحات الخارجية تماما ويعتمد المسكن في توفير الضوء وتغيير الهواء على الفناء الداخلي. ولضمان الثبات الحراري داخل المسكن تكون الحوائط من الحجر بسمك مع استخدام الطين والجبس كمادة رابطة. وفي المناطق القريبة من الخليج حيث تزداد نسبة الرطوبة يستعمل كمادة عازلة للحماية من الرطوبة. أما الأسطح فتكون من جذوع النخيل الملقى عليها كسر الحجارة والطين.