سلسلة مبادرة لا نهضة إلا بالصناعة 12: "خياران فقط امام الشركات العائلية"
- بقلم أ.د.محمد أحمد بصنوي
- 13/12/2017
تعد الشركات العائلية أو الشركات التي تسيطر عليها عائلة واحدة من أهم ركائز الاقتصاد الخليجي بصفة عامة والوطني بصفة خاصة، إلا أن العديد من هذه الشركات تقترب من حافة الخطر خلال المرحلة الانتقالية من جيل إلى آخر، ووفقا لبعض الدراسات فحوالي 30% من الشركات العائلية تنتقل إلى الجيل الثاني، و12% تنقل للجيل الثالث و3% فقط للجيل الرابع، ووفقا لـ «شبكة الشركات العائلية لمجلس التعاون الخليجي» فإن 80% من الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه تحديا كبيرا في استمراريتها عند نقل الخلافة من جيل إلى آخر خلال السنوات الـ10 المقبلة، وتوقعت انتقال أصول تبلغ قيمتها التقديرية نحو تريليون دولار، أي (1000) مليار دولار. ولك أن تعلم أن قائمة أكبر 500 شركة تعود ملكيتها بنسبة كبيرة إلى أفراد أسرة واحدة على مستوى العالم، ووفقا لدراسة نشرت في مجلة «فوربس» عن أحد مراكز جامعة «سانت جالن» السويسرية أن الشركات العائلية تشكل نسبة 80%– 90% من الشركات بالعالم، وتبلغ مبيعاتها السنوية نحو 6.5 تريليونات دولار، وتقع أغلبية الشركات العائلية في أوروبا بنسبة 50%، وتليها أمريكا الشمالية بنسبة 24%، وتضم القائمة عددا من أكبر الشركات بالعالم ذات العلامات التجارية الشهيرة مثل «بي إم دبليو»، «فورد» وغيرها، وتأتي في الصدارة سلسلة متاجر التجزئة العملاقة «وول مارت» التي يزيد حجم إيراداتها السنوية عن 476 مليار دولار، والمملوكة بواسطة عائلة «والتون» أغنى الأسر بالولايات المتحدة الأمريكية. وتمثل الشركات العائلية لدينا أهمية كبيرة في نمو الاقتصاد الوطني، وتمثل ما يقارب 90% من مجموع الكيانات التجارية باستثمارات تفوق 250 مليار ريال في السوق المحلي، وفقا لإحدى الدراسات، وتعاني الكيانات العائلية بعد وفاة المؤسس أزمات من الممكن أن تؤدي إلى انهيارها في زمن قصير بسبب الخلاف بين الأبناء، وعدم مقدرة البعض منهم على إدارة ثرواتهم، وتكثر هذه النزاعات بين الشركاء في الشركات العائلية في حالة غياب ميثاق عائلي فاعل للشركات على خلاف ما هو حاصل في العديد من الدول الغربية، حيث ينال أحدهم موافقة أفراد العائلة ويصبح المرجع الوحيد لضمان استمرار الشركة واستقرارها وتقدمها واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تحدد مستقبلها في ظل قانون جهات استشارية حكومية. إن عدم حماية هذه الشركات من التفكك أو الانهيار بعد وفاة المؤسس هو أمر في منتهى الخطورة، خاصة أن هذه الشركات تمثل العمود الفقري لاقتصادنا، واستمرارية هذه الشركات مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إلى العائلات ذات الصلة، وإلى بلادنا على حد سواء.
ولذلك على الحكومة أن تتدخل بفرض قوانين لحماية هذه الشركات من الانهيار من خلال إجبار هذه الشركات على الانتقال من العمل الفردي إلى شركات مساهمة مغلقة أو عامة، لأن هذا هو الحل الأمثل للحفاظ على هذه الشركات من الانهيار في حال وفاة مؤسسها أو الانتقال من جيل لآخر، حيث إن الشركات المساهمة تتيح نقل الملكية من خلال الأسهم بين الملاك بشكل نظامي، مما يضمن أن الشركة لن تتوقف في حال عجز أو وفاة أحد أفراد العائلة، ويوفر أيضا الانتقال للعمل المؤسسي والاستمرار والاستقرار والتطوير والنجاح. هناك عدد من الأمثلة المشرقة لعوائل تجارية سعودية أدركت أن السبيل لبقاء ونجاح كياناتها التجارية وترابط أبنائها والحد من الخلافات بينهم هو التحول إلى العمل المؤسسي وإعادة هيكلة أعمالها بالتحول إلى شركات مساهمة مغلقة أو عامة، ومن هذه العوائل التجارية على سبيل المثال «الراجحي، العليان، المهيدب، الجفالي، بن زقر، الحكير، الزامل، عبداللطيف جميل»، حيث استطاعت هذه الشركات من التحول من كيانات عائلية من العمل الفردي إلى شركات مساهمة مغلقة أو عامة. وخلاف هذه التحديات التي تواجهها الشركات العائلية فإن البعض منها خلال الآونة الأخيرة يواجه شبح الإفلاس، وبعض من مصانعها ونشاطاتها قد تم غلقه، وبدلا من العمل على حل مشاكل هذه الشركات، صرح وزير المالية بأن إفلاس هذه الشركات ليس عيبا، فكيف لنا أن نطالب الشركات الأجنبية بالاستثمار في بلدنا ونترك شركاتنا ومصانعنا مهددة بالإفلاس، أليس من الأجدر بنا أن نحل مشاكل هذه الشركات بدلا من الدعوة إلى جذب استثمارات خارجية.
إن هذه الشركات بما تمتلكه من أصول ضخمة من الممكن أن تحفزها الحكومة أو تجبرها على توجيه رؤوس أموالها نحو الصناعات التي في حاجة إليها البلاد، خاصة الصناعات التي تتوفر لدينا مقوماتها مثل صناعة الجلود والصناعات الغذائية المعلبة والصناعات المعدنية وصناعة الدواء والملابس، والعديد من الصناعات التي تتوفر أولوياتها لدينا بحمد الله، والانتقال بشكل تدريجي إلى الصناعات الأكثر تطورا مثل ما حدث في الدول المتقدمة، إن هذا من الممكن أن يحولنا من مستهلكين إلى مصدرين وهو ما سيدفعنا إلى نهضة حقيقية مرئية، وليست مزعومة مثل التي نشاهدها اليوم من زيادة البطالة والأسعار ونقص الرواتب. وأخيرا، يجب أن تعي العوائل التجارية والحكومة أنهما أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تطبيق حوكمة الشركات والتحول لشركات مساهمة أو مواجهة الزوال، وهذا واضح من خلال اختفاء شركات عائلية لها علامتها التجارية في وقت قصير للغاية، وإذا حدث ذلك لا قدر الله فسنكون في وضع حرج للغاية، وستزداد البطالة والتي مقدر لها أن تفوق الـ 24%.
لا تتوفر تعليقات بالوقت الحالي