سلسلة مبادرة لا نهضة الا بالصناعة- ٣٥ ( الصناعة الغائبة في المملكة )
- بقلم أ.د.محمد أحمد بصنوي
- 11/05/2019
في ظل تقلب أسعار النفط ووصوله سابقا لما يقارب الـ 50 دولارا، تعمل الدولة على تنويع مصادر الدخل بشتى الطرق، ولكن ذلك لم يشمل دعم صناعة البرمجيات على وجه الخصوص، والتي تعد من أهم الصناعات التي تنافس فيها الكثير من الدول النامية بكل قوة مثل الهند، وتعد عنصرا فاعلا في تنويع مصادر الدخل، وتشمل البرمجيات «تطبيقات الجوال، والمواقع، والألعاب، والسوفت وير بشكل عام».
تعد البرمجيات العصر الذهبي لصناعة هذا العصر، إذ أصبحت واحدة من الصناعات الاستراتيجية المهمة شأنها في ذلك شأن الصناعات العملاقة، وإذا أردت أن تعلم أهمية هذه الصناعة فلك أن تتخيل أن شركة مثل مايكروسوفت التي أسست في كراج صغير، احتلت العالم بنظام ويندوز وبرنامج وورد، وبلغ عائدها أكثر من 85 مليار دولار في عام 2016، ويعمل بها 114,000 موظف وفقا لموقع ويكيبيديا.
ورغم أن الهند تعد من الدول النامية الفقيرة، ولا تملك من الإمكانات المادية مثلما نملك، إلا أنها تعد ثاني أكبر مصدر للبرمجيات في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ويتم فيها تطوير نحو 40% من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية، كما تعد صناعة تقنية المعلومات أحد القطاعات النشيطة في الاقتصاد الهندي، وتتخطى عائدات هذا القطاع 100 مليار دولار، حيث بلغت قيمة الصادرات 69 مليار دولار في عام 2012، وتوفر هذه الصناعة فرص عمل مباشرة لـ 2.8 مليون شخص، وفرص عمل غير مباشرة لـ 8.9 ملايين شخص في الهند.
ووصل تقدم الهند في البرمجيات لدرجة قيام اليابان المعروفة بتقدمها في التكنولوجيا بالحصول على أنظمة إشارات رقمية للتخلص من الاختناقات المرورية من شركات برمجيات هندية، وبلغة الأرقام يمكن القول إن الشركات الهندية تصدر البرمجيات بين 91 دولة، ليحقق قطاع البرمجة الهندي معجزة بنسبة نمو 40% خلال السنوات الأخيرة، واستطاعت الهند اليوم أن تكون منافسا قويا بعدد من شركات التقنية العالمية مثل شركة تي - سي - إس (TCS)، آي - فلكس (I - Flex)، ويبرو (Wipro) وإنفوسيس (Infosys)، وما يعكس تأثير التجربة الهندية في مجال البرمجة القول الشائع «إذا ضمن الهندي تناول 3 وجبات يوميا فإنه يفكر بشراء كومبيوتر».
هناك سؤال يطرح نفسه الآن، وهو ماذا فعلت الهند لكي تحقق كل هذا الإنجاز، الإجابة بكل ببساطة أنها اهتمت بثروة العقول التي تسعى كل الدول لامتلاكها، فالدولة التي ستعاني من قلة الأيدي الماهرة في مجال تكنولوجيا المعلومات لن يمكنها تحقيق أي تقدم خاصة في المرحلة المقبلة، وقد ساعد الهند في تحقيق هذا التقدم الخبراء الهنود المغتربون في الخارج، حيث إن نسبة 38% من خبراء وادي السيلكون في كاليفورنيا من أصل هندي، وإنشاء 30 مؤسسة أكاديمية كبرى لتخريج الخبراء والمهندسين في مجال البرمجة، علاوة على عدم حاجة صناعة البرمجيات إلى رؤوس أموال ضخمة، إذ تقوم على استثمار الفكرة، وهي لا تتطلب سوى تأهيل العقول المميزة وتوفير المناخ الملائم لها.
ويرجع اهتمامي الشخصي بالبرمجيات إلى أنها صناعة المستقبل، إضافة إلى أنها تضع حلا عمليا للبطالة، فالحل الحقيقي لمشكلة البطالة ليس فقط بتوفير فرص عمل، ولكن بتوفير فرص عمل بدخل يناسب المواطن، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه سوى بمثل هذه الصناعات، والدليل على أهمية صناعة البرمجيات أن بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية قامت بإدخال البرمجة ضمن المناهج الدراسية لجميع المستويات، لأنها لغة المستقبل سواء في التعليم الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي، وخصصت 4 مليارات دولار في سبيل تعليم البرمجة للأطفال، وتلقى هذه الفكرة دعما كبيرا من كبرى الشركات مثل فيس بوك وقوقل وغيرهما.
لكن هل تساءلت لماذا الاهتمام الكبير بالبرمجة من طرف الدول والشركات الكبرى؟ هذا لأن الإحصاءات تقول إن عدد الوظائف الشاغرة التي تتطلب مبرمجين في عام 2020 ستكون 1.4 مليون وظيفة شاغرة يقابلها 400 ألف متدرب فقط، إذ سيكون هناك نقص في اليد البرمجية العاملة، لهذا تعد وظيفة مبرمج أهم وظيفة في المستقبل بل وحاليا، ويدل على هذا تلك الرواتب التي تصل في بعض الأحيان لعشرات الآلاف من الدولارات.
وفي النهاية إذا كنت تنظر إلى التجربة الهندية كدليل إضافي على حالة العجز المزمن للخليج بصفة عامة، ولبلادنا بصفة خاصة، فإنه يجب أن ترى فيها فرصة مشجعة على إمكانية اللحاق بقصة النجاح نفسا، خاصة أننا نمتلك المال والشباب - لا أريد القول المهووس بالتكنولوجية - المتمكن منها، أي إن عقول الشباب والفتيات لو وجهت لهذه الصناعة لكسب البلد أكثر من دخل كثير من المصانع.
بقلم بروفيسور / محمد احمد بصنوي
لا تتوفر تعليقات بالوقت الحالي