سلسلة مبادرة لا نهضة الا بالصناعة ٢٨ - اعادة توجيه البوصلة
- بقلم أ.د.محمد أحمد بصنوي
- 06/12/2018
تقع المملكة ودول الخليج ضمن أكثر مناطق العالم جفافا وفقرا بالموارد المائية الطبيعية، ووفقا لبعض الخبراء نواجه مستقبلا غامضا من ناحية توافر الغذاء، وقد بلغت الفاتورة السنوية التي تتحملها الاقتصاديات الخليجية لاستيراد الغذاء نحو 90 مليار دولار في عام 2014، أي ما يعادل 27,7% من الفاتورة الإجمالية للواردات على مستوى المنطقة ككل، وهو ما يعني اعتمادنا بشكل رئيسي على استيراد معظم غذائنا؛ وأيضا نستورد أكثر من 90% من احتياجاتنا العامة من الخارج، وهو الأمر الذي يظهر حجم الأزمة التي نعيشها.
وما يزيد الوضع سوءا أن الإسراف الاستهلاكي الذي انتشر خلال السنوات الأخيرة في بلادنا أدى إلى زيادة حجم الاستيراد من الغذاء، فحسب التقرير الصادر عن مصرف «البن كابيتال الاستثماري»، فإن الاستهلاك الغذائي سوف ينمو بمعدل سنوي مركب تبلغ نسبته 3.1% ليصل إلى ما قيمته 49.1 مليون طن خلال السنوات القليلة القادمة، وترجع هذه الزيادة إلى النمو السكاني السريع في دول المجلس وزيادة عدد السياح الأجانب، فضلا عن ارتفاع مستويات الدخل في المنطقة.
ويجب أن نعلم أن عصر الغذاء الرخيص انتهى، فقد ارتفعت أسعار الغذاء العالمية تكرارا في السنوات الأخيرة، المرة الأولى كانت في عام 2008 حين ازدادت أسعار سلع زراعية رئيسية أكثر من ضعفين، ثم عام 2011 في أعقاب موجة حر اكتسحت العالم، ومرة أخرى عام 2012 بعد أسوأ جفاف ضرب الغرب الأوسط الأمريكي منذ نصف قرن، وتشير التوقعات إلى مزيد من ارتفاع الأسعار وتقلبها، نظرا لزيادة الطلب على الغذاء على مستوى العالم، ونتيجة لذلك نحتاج إلى عائدات نفطية أعلى لتغطية الزيادة المستمرة في أسعار الغذاء، وتشير التقديرات إلى أننا في حاجة لأن يصل برميل النفط لـ 85 دولارا لكي يتعدل الوضع بلا ربح أو خسارة، بالمقارنة بـ37 دولارا عام 2008.
إن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء أمر جذاب من الناحية النظرية، لكنه من الناحية الواقعية أمر صعب تطبيقه، حتى إذا توفر الدعم الزراعي بصورة كبيرة، وعلى سبيل المثال فإن دعم برنامج زراعة القمح قد كلفنا 5 مليارات دولار سنويا أثناء ذروة نشاطه، ورغم ذلك تم وقف زراعة القمح نتيجة انخفاض المياه الجوفية تدريجيا، لذلك لا بد من التوجه خارج الحدود للاستثمار الزراعي، خاصة أفريقيا بسبب القرب الجغرافي ولا سيما السودان الذي من الممكن أن يكون السلة الغذائية ليس للسعودية ودول الخليج فحسب بل للعالم العربي، فلك أن تعلم أن السودان يوجد به 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية بحوالي 52 مليون فدان، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد عن 400 مليار متر مكعب، وتقدم السودان بمبادرة لتحقيق الأمن الغذائي عربيا تقدر تكلفتها بعشرين مليار دولار واعتمدتها الجامعة العربية، لكنها لم تنفذ إلى الآن.
الأمر ليس بهذا السوء في بلادنا في إنتاج الغذاء اللازم، فلدينا البحر الأحمر والخليج العربي، بإجمالي سواحل بحرية تمتد بطول 2600 كيلو متر تقريبا، مما يعزز قدرتنا الإنتاجية لهذه الثروة الفريدة، لكننا إلى الآن لم نستغل هذه الإمكانيات بالشكل الأمثل من خلال أن ننشئ بها المزارع السمكية التي تكفي احتياجاتنا بل والتصدير أيضا، خلاف أن لدينا ثروة كبيرة من الإبل يصل عددها وفقا لبعض التقديرات لـ 422 ألفا، ويمكن استخدامها في توفير احتياجاتنا من الألبان، خلاف أننا نحتل المركز الثاني في صناعة التمور بنسبة 15% من الإنتاج العالمي.
وأخيرا وليس آخرا، فلا توجد دولة تنتج كل شيء أو تستورد كل شيء، فالله أنعم علينا بالخير الكثير الذي لم نستغله بعد، لكن علينا أن نوجه استثماراتنا في الموارد التي وهبنا الله إياها، وليس في الشيء الذي نفتقده، فعلى سبيل المثال الاستثمار في زراعة القمح أو الأرز يعتبر إهدارا للمال والوقت والجهد، أما الاستثمار في الأسماك أو «اللحوم المصنعة» من لحوم الأضاحي المكدسة بالأطنان أو أمهات الدواجن أو الدواجن البياض (إنتاج المورتديلا والنقانق واللحوم المعلبة) أو التمور أو المستخرجات الحيوانية من مخلفاتها فهو الاتجاه الصحيح، لذلك علينا إعادة توجيه البوصلة إلى المكان الصحيح.
بقلم : بروفيسور/ محمد احمد بصنوي
لا تتوفر تعليقات بالوقت الحالي