سلسلة مبادرة لا نهضة الا بالصناعة ٢٧ - صناعة الثروة
- بقلم أ.د.محمد أحمد بصنوي
- 18/11/2018
تعد صناعة الدواء في العالم مربحة جدا، وهي تأتي في الترتيب الثاني بعد تجارة السلاح، بحجم يتراوح ما بين 750 مليار دولار وتريليون دولار حسب تقديرات مختلفة، خلاف أن هذه الصناعة لا تزال تحافظ على نموها كأسرع الصناعات نموا في العالم، وهذا يرجع لأهميتها وعدم قدرة البشر عن الاستغناء عنها، فالإنسان قد يستغنى عن بعض أنواع من الطعام وقد يستبدل نوعا من الطعام بنوع آخر إلا أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع الدواء
إن صناعة الدواء تسيطر عليها الدول الكبرى بشكل كبير للغاية، خاصة بعد توقيع اتفاقية الجات التي تمنح الشركات المبتكرة للأدوية حق احتكار تصنيع وبيع الأدوية لعدة سنوات وبأسعار باهظة، وهذا أثر على تطور صناعة الدواء في بلادنا بسبب حقوق الملكية من جهة، والحاجة لرؤوس أموال ضخمة لتمويل أبحاث ابتكار الأدوية الحديثة التي تتكلف مئات الملايين من الدولارات للدواء الواحد فقط من جهة أخرى، ولك أن تعلم أن الولايات المتحدة تسيطر على 48% من الإنتاج العالمي لصناعة الدواء، تليها أوروبا بنسبة 30%، ثم اليابان بنسبة 10.6%، وآسيا وأفريقيا بنسبة 7%، وأستراليا بنسبة 1% وفقا لمركز تنمية الصادرات.
ورغم كل ذلك فإن صناعة الأدوية ببلادنا حدث بها تطور ملحوظ ففي عام 2005 زادت الصادرات بنسبة 200% وقدرت بـ392 مليون ريال، وقدر حجم الأدوية المستوردة بـ6229 مليون ريال أي 6.2 مليارات ريال، لكن عدم وجود مصانع لإنتاج المواد الخام الدوائية في بلادنا يعتبر عنصرا أساسيا في عدم تقدم صناعة الدواء بشكل قوي، ويحول الصناعة لدينا إلى مجرد استيراد بعض المواد الخام وتعبئتها في عبوات وبيعها للمواطنين، خلاف افتقارنا للفنيين بالشكل اللازم لتطوير هذه الصناعة فعدد الصيادلة يقدر بـ12 ألفا وعدد الخريجين المتوقعين لا يتجاوز الـ250، لكن يمكن التغلب على ذلك من خلال الاستعانة بالخبراء العرب والأجانب في هذا المجال.
يعلم أي مطلع على سوق الدواء العالمي قوة المنافسة بين الدول والشركات في تصنيع الدواء. لكن هذه المنافسة تصبح شديدة الصعوبة في سوق إنتاج المواد الخام الدوائية خاصة مع دخول الصين والهند هذا المجال، وإنتاجهما المواد الخام بأسعار زهيدة مقارنة بأسعار مثيلاتها التي تنتجها الشركات الأوروبية والأمريكية وبمستوى جودة جيد، ومما يزيد الأمر تعقيدا هو الثقافة الشائعة في مجتمعنا بتفضيل المنتج الدوائي الأجنبي على المحلى.
لكن الصورة ليست سوداوية تماما، بل إن بلادنا لديها كفاءات تمكنها من القيام بهذا المشروع رغم كل هذه الصعوبات بإذن الله، ونستطيع أن نتعاقد مع بعض الشركات الآسيوية الرائدة في هذا المجال لتوفير التكنولوجيا اللازمة لهذا المشروع وبأقل التكاليف، مقابل منافع مشتركة للجانبين، وأما عن المنافسة مع المواد الخام المستوردة فالتصنيع محليا له مميزات عن المنتج المستورد، لا تتوقف فقط على اختصار تكاليف النقل والجمارك، بل أيضا من ناحية الجودة، حيث تتفادى مشاكل الحفظ والرطوبة التي تتعرض لها المنتجات المستوردة خاصة الدواء.
إن صناعة الدواء مربحة للغاية، وفي بعض الدول تحقق ربحا أكثر من تجارة السلاح، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مصر تتحول الجنيهات لملايين، وأستشهد في ذلك بأن سعر كيلو الدواء من «الفياجرا» المخصص في علاج الضعف الجنسي 71 دولارا، يصنع منه 10 آلاف قرص، تركيز 100، وضعف هذه الكمية تركيز 50، أي أن تكلفة القرص الواحد تركيز 100 هو 4 قروش، والعلبة 4 أقراص 19 قرشا، لكنها تباع بـ40 جنيها وفقا للمركز المصري للحق في الدواء، وهذا أدى لوصف صناعة الدواء من قبل البعض بصناعة الثروة والمال، أليس هذا داعيا قويا لتوجه رجال الأعمال والصناعة للاستثمار في الدواء بكل الطرق.
إننا في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ البلاد لا بد أن نوجه كل طاقاتنا نحو بناء نهضة حقيقية في كل المجالات، خاصة إنتاج المواد الخام الدوائية لكي تكون دائرة صناعة الدواء في بلادنا مكتملة، ولا نكون تحت رحمة الأجانب في هذه الصناعة الاستراتيجية، ولا يقتصر دورنا على مجرد تعبئة المواد الخام بعد تخفيف تركيزها. وإننا إذ نوجه نداءنا للمسؤولين للقيام بهذا المشروع الاستراتيجي أو على الأقل تقديم الدعم المعنوي، نتوجه أيضا إلى المستثمرين ورجال الأعمال بمساندة هذه المشاريع من باب تسخير نعمة المال فيما يعود بالنفع على البلاد والعباد.. فهل نلقى استجابة؟!
بقلم : بروفيسور / محمد احمد بصنوي
لا تتوفر تعليقات بالوقت الحالي