دور النشر العربية.. بين صرامة المعايير وإغراءات «زمن تويتر»!
on- 2015-11-17 10:19:15
- 0
- 1357
يتزايد المؤلفون والدخلاء على صنعة التأليف. طبيعةُ الكتب تغيرت والكتّاب على الأغلب تغيروا بل وتلون كثير منهم مع الزمن الذي يعيش فيه، زمن "تويتر" و"الانستاغرام" ونقرة الأكثرُ إعجاباً وإعادة التغريد والترويجٍ والانتشار الذي صنع شهرة واسعة ومبيعات مدهشة لكتاب يستحقون وآخرون بالتأكيد لا يستحقون سوى أن يكونوا مجرد مسوقين بارعين لا أكثر!. في المقابل تتحمل دور النشر العربية مسؤولية أدبية وأخلاقية كبيرة، في "فلترة" ما يجب أن يصل للقارئ من كتب، بعد تحقيقه الشروط الفنية والأدبية كمنتج أدبي وثقافي. فهل تلتزم هذه الدور بشروط ومعايير النشر وهل هنالك حقاً معايير صارمة، تضعها دور النشر أمام إغراءات نشر كتابات ناشطي "السوشل الميديا" وغيرهم من الزاحفين على عالم التأليف والكتاب.
السيدة رنا سهيل إدريس "ناشرة دار الآداب اللبنانية" أكدت أن إخضاع الكتاب للمعايير المهنية والفنية، من أجل نشره لاحقاً، هو شرط أساس من أساسيات صنعة النشر في الدار. مشيرة إلى أن لدى دار الآداب البيروتية التي تأسست عام 1956، لجنة قراءة نصوص مكونة من ثلاثة أعضاء، أحدهم أكاديمي والآخر روائي أو روائية والثالث قارئ "يمكن أن نصفه بالمتنور دون أن يكون لديه بالضرورة كتابات أو جانب أكاديمي بالنقد". وتضيف رنا سهيل إدريس ل"الرياض": "يهمنا أن تصل روايات دارنا إلى شريحة واسعة من الناس". مؤكدة أن هذه اللجنة هي من يقرر نشر الكتاب أو لا ينشر "لأننا بشكل عام نطلب إجماع لجنة القراءة وعندما أحصل على موافقة هذه اللجنة، أطبع الكتاب وأتحمل كل شيء، باستثناء حالات نطلب فيها من المؤلف أن يشتري عدداً محدداً من النسخ لتغطية التكاليف".
ولكن هنالك العديد من الدور التي تفرض على الكاتب أن يدفع تكلفة طبع كتابه حتى ولو كان الكتاب متواضعاً، من أجل القفز فوق معايير النشر. فماذا عن تجربة رنا إدريس و"الآداب" في هذا الشأن؟. تجيب إدريس بسرعة: "هذا الأمر ليس لدينا ولن يكون ولن تراه، نحن لا نريد هذا لأنه سيؤثر كثيراً على اسم الدار، لأن رصيدنا في النهاية المصداقية أمام القارئ". مضيفة: "وكما قلت هنالك لجنة قراءة لابد أن توافق على النص وحتى بعد الموافقة، فإن 90% من الكتاب لا نأخذ منهم أي مبالغ مالية". وبسؤالها عن كمية ما يصلها من طلبات نشر كتب سعودية، فتجيب: "أجل، ومعظمها نرفضها ليس من السعودية فقط، بل من بلدان عربية كثيرة ونحن لم ننتهِ من هذا العام وقد وصلنا 332 مخطوطاً للنشر من جميع أنحاء العالم العربي، وأغلبه رفض". مشيرة إلى أن كثيراً من المبتدئين والكتاب الذين يكتبون روايات "أول ما يتجهون إلى دار الآداب، ولا أخفي سراً إذا قلت أن كثيراً من الروايات التي التفت إليها في السوق، كانت مرت علينا في الدار ورفضت!". تبتسم ثم تختم: "لجنة القراءة صارمة ونحن مصرون أن ننتقي أفضل شيء". صورة أخرى ومغايرة لمعايير النشر تتوضح مع طريقة عمل الدار العربية للعلوم ناشرون من لبنان والتي أنهت مشاركتها للتو في معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث يشير أحد منسوبيها "فضل عدم نشر اسمه" إلى أن الدار تنشر سنوياً بين 350 إلى 400 كتاباً بين مُتَرجم وعربي. لكن هل تخضع كل هذه الكتب لمعايير النشر؟؛ يجب منسوب الدار: "لدينا لجان متخصصة، بين لجان لكتب الأدب وأخرى للسياسة وثالثة للصحة ورابعة للكمبيوتر وهكذا". وعن استقبال ونشر الدار للكتب القادمة من منطقة الخليج العربي والمملكة تحديداً، يجيب: "في ازدياد وتحسن عاماً بعد عام رغم المشاكل التي تحدث بالمنطقة العربية، إلا أن النشر هنا في تطور". مؤكداً أن أغلب من يأتي للنشر في "ناشرون" من الخليج هم أصحاب خواطر أو شعر أو روايات..الخ. لكن ماذا عن تبسيط شروط النشر، يعلق منسوب دار العلوم: "في نهاية المطاف نحن مؤسسة تجارية والكتاب إذا لم يكن هناك جدوى اقتصادية للربح من خلاله لا نلتفت له لكن الآن صار هنالك طريقة وهي أن المؤلف يطبع على حسابه ونحن نأخذ نسبة بدل توزيع، وهذا حسب الكتاب، إذا كان من المتوقع أن يكون على الكتاب طلب يمكن للدار أن تتكفل بطبعه وتعطي الكاتب نسبة أما إذا كان الكتاب خواطر لشاب في العشرينيات مثلاً، ففي الغالب هو من يطبع كتابه". ويرى منسوب الدار أن الأمر صار يتعلق بالكاتب ونشاطه وقوته على وسائل الاتصال، مؤكداً أن هذا معيار مهم تجارياً "لأن "السوشل ميديا" صار المفعل الأكبر في اقتناء الكتب والناشط والذي لديه متابعين يمكن أن يسوق لنفسه". مضيفاً: "هنالك أدباء كبار ومعروفون ولهم قيمة لكن ليس لهم سوق للكتاب". ورداً على احتجاج البعض على تساهل دور النشر الذي أدى لنشوء شريحة دخلاء على مهنة التأليف، يجيب منسوب الدار التي فازت العام المنصرم بجائزة أفضل دار نشر عربية، أن دار النشر "شركة تجارية تبغي الربح والقائمون عليها ليس بالضرورة أن يكون لديهم إلمام بما يطبع". مؤكداً "أن هنالك معايير والكتاب الذي سيمنع في بلدين أو ثلاثة لمخالفته عاداتنا ومعتقداتنا لن ننشره، لأنه "سيقطع السوق" لدينا وبالتالي لن يطبع، فما نريده هو أن يدخل الكتاب على كل الدول أما أن يبقى لدي، فما هي الغاية الربحية منه".
من جهة أخرى، يصر الناشر السعودي صالح الغبين من "دار أثر" على الالتزام بالمعايير الفنية والمهنية للنشر، مؤكداً أن قوة المادة المقدمة هي أهم معيار لكي نقتنع بما سوف ننشره للقراء. مضيفاً: "لنتذكر أن من أسسوا الدار هم قرّاء في الأساس، أصروا أن يقرءوا مادة جميلة جداً تطور الأمر لأن يأسسوا داراً أشبه بحلم بأن تطبع الأدب الراقي من كل ثقافات العالم بما فيها الثقافة والأدب المحلي، وهو الأدب القوي الذي يستحق أن يقرأه الناس، لتوفر الشروط الجمالية واللغوية والإبداعية فيه، وهذا هو ما دفعنا لخوض تجربة النشر وليس أي شيء آخر، إنه باختصار الشغف".
وعن تعرض الدار السعودية لإغراءات النشر لنجوم السوشل ميديا، يعلق: "إذا لم تستحق المادة النشر فلن تنشر ونحن عملنا منذ افتتاحنا على أن نصنع سمعة ونكسب ثقة القارئ بأن تكون الأعمال حقاً تستحق القراءة، وليس تغليف الكتاب باسم الدار طلبا للترويج أو التربح". ويشير الغبين إلى تعرضهم في الدار إلى العديد من العروض من شخصيات مشهورة في "سناب شات" و"انستغرام" و"تويتر"، بأن يطبعوا كتباً لهم، إلا أنهم بعد التعرف على نوعية المادة، يرفضون، لأنها لا ترقى لمستوى طموح الدار الذي لا يريد أن يجمع كتباً أشبه بالفاست فود "نريد لدارنا أن يبقى لها أثر في الأدب والثقافة العربية خصوصاً أن الدار تعمل في المملكة وتقدم نتاج الأدب والثقافة لكل الوطن العربي".