الاسلام دين العدل

on
  • 2015-10-26 21:05:34
  • 0
  • 2636

فما هو العدل؟
العدل ضد الجور.
وفي الشرع: فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهل العدل إلا في شرع الله؟ وهو: بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقين في حقوقهم، وهو: إعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه.
 
هل الإسلام دين مساواة؟
من الخطأ أن يقال: إن الإسلام دين المساواة! وإنما هو دين العدل، فالعدل إعطاء كل ذي حق حقه، أما المساواة المطلقة مع اقتضاء التفرقة بالعدل فإنها ليست من الإسلام في شيء. ولهذا نفيت المساواة في مواطن من القرآن الكريم، قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء/95، 96]. وقال: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد/10].
فالمساوة لا تكون عدلا إلا في حق من انتفت الفروق بينهم، وفي الحقوق العامة، فهي قد تكون عدلاً وقد لا تكون، ولذلك كان الصواب أن يقال: الإسلام دين العدل.
 
العدل صفة إلهية
قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء/40]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس/44]. وذلك لكمال عدله.
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حقّ حقَّه» رواه أبو داود.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» رواه مسلم.
وتأمل الآية: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف/28]، وانظر كيف أنصف الله المشركين، فإنه لم ينكر عليهم قولهم: {وجدنا عليها آباءنا}؛ لأنه حق، قال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة/170]. ولما قالت ملكة سبأ –وكانت على الكفر- {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}، صحح الله قولها، وصوب رأيها، فقال: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل/34].
وليس لنا أن نسمي الله بالعدل، فإن ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ولا نسمي الله إلا بما ورد فيهما.
 
صور العدل وجهاته
للعدل جهات ثلاث:
1/ العدل مع الله.
2/ والعدل مع عباد الله.
3/ والعدل مع النفس.
 
أما العدل مع الله
فأن لا نصرف شيئاً من حقه إلى عبيده، فمن فعل ذلك وقع في أقبح الظلم، فحق الله علينا أن نفرده بالعبادة. ثبت في الصحيحين، عن معاذ بن جبل  رضي الله عنه  قال: كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: «يا معاذَ بنَ جبل». قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل». قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل». قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حق الله على العباد»؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا». ثم سار ساعة قال: «يا معاذ بن جبل». قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك»؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «أن لا يعذبَهم».
 
وأما العدل مع النفس
فيوضح صورته هذا الحديث: عن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ  رضي الله عنه  قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ. ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ: فَقَالَ نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ، فَصَلَّيَا. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَدَقَ سَلْمَانُ» رواه البخاري.
إنَّ من العدلِ مع النفس أن تسلك بها سبيلَ نجاتها، ففي الصحيحين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  رضي الله عنه  قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام/82]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ: «كَمَا تَظُنُّونَ! إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}» متفق عليه. وظلم الإنسان لنفسه بأمرين: بترك الفرائض، وإتيان المحرمات. فإذا كان هذا ظلماً كان حملها على طاعة الله عدلاً.
 
وأما العدل مع الناس فتحته صور:
أ) العدل بين الأولاد.
في صحيحي البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن أباه أتى به رسول الله  فقال: «إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي. فقال رسول الله : «أفعلت هذا بولدك كلهم»؟ قال: لا. قال عليه الصلاة والسلام: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم». قال: فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة». وفي رواية: «أشهد غيري فإني لا أشهد على جَور». وفي أخرى لمسلم: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء»؟ قال: بلى. قال: «فلا إذن». ولابن حبان: «سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر».
يقول إبراهيم التيمي رحمه الله: "إني لو قبلت أحدَ الصغار من أولادي لرأيتُ لازمًا عليّ أن أقبل الصغيرَ مثله؛ خوفًا من أن يقعَ في نفس هذا عليّ أذى".
 
وهنا ست مسائل تتعلق بالعدل بين الأولاد..
الأولى:
أنَّ هناك فرقاً بين النفقة والتبرع المحض.
ففي النفقة نعطي كل ولد ما يسد حاجته، فالذي في الجامعة يحتاج من المال أكثر مما يحتاجه الذي في المدرسة، والمريض ينفق عليه أكثر من الصحيح. وأما التبرع المحض فلا بد من المساواة فيه.

الثانية:
هل يساوي بين الذكر والأنثى من ولده؟
هذه فيها قولان لأهل العلم. فالحنابلة يرون أنَّ القسمة الشرعية في عطية الوالد لأولاده أن تكون حسب قسمة الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى.  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويجب التعديل في عطية أولاده على حسب ميراثهم، وهو مذهب أحمد" [الاختيارات، ص 184].
وقال شريح القاضي لرجل قسم ماله بين أولاده : "قِسْمَةُ اللَّهِ أَعْدَلُ مِنْ قِسْمَتِك، فَارْدُدْهُمْ إلَى قِسْمَةِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ" رواه عبد الرزاق في مصنفه.
وقال عطاء: "مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى". وانظر المغني (8/261).
وقال غيرهم من العلماء بوجوب التسوية بينهم، والخلاف في المسألة سائغ.
ولقائل أن يقول: مسألة الإرث لا يتصور معها حصول الشحناء، فإن الوالد مات، والنص فيها واضح، والخلاف فيها غير واقع، أما مسألتنا هذه فمحل خلاف، والوالد موجود بينهم، فهل يأمن الوالد إذا فاضل بينهما أن يتسرب إليها حقد عليه أو على أخيها؛ إذ لا نص قاطع في المسألة؟! ولذا فمن الخير أن نساوي بينهما في عطايانا، والله أعلم.

الثالثة:
لو جار والد فكيف سبيل التوبة؟
بواحد من ثلاثة أمور:
إما أن يرد ما فاضل به بين ولده.
وإما أن يعطي الثاني مثلما أعطى الأول.
وأما أن يسترضي المحرومين الراشدين، ولابد من التيقن من حصول الرضا وطيب النفس، ولا يكون رضا حياء ومهابة ومجاملة، ولا أفضل من العدل؛ فإن الصدور قد تصفو يوماً ثم تكون على خلاف هذا أياماً.

الرابعة:
الولد الذي يعمل مع والده؟
هذا يعطى راتبه ولا إشكال. ولو كان أحد الأولاد يقوم على خدمة والديه بخلاف غيره فإنه لا بأس أن يُخصَّ بما يكافئ أجرة مثله.

الخامسة:
هل الأم مخاطبة بالعدل بين ولدها؟
قال ابن قدامة رحمه الله: "والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم»، ولأنها أحد الوالدين فمنعت التفضيل كالأب، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها، فثبت لها مثل حكمه في ذلك" [المغني 8/261].

السادسة:
هل للوالد أن يفرِّق بين ولديه لأن أحدهما بار والآخر عاق؟
الجواب: لا؛ فهذا مما يتفاحش به المنكر، فبدلاً من تلبُّس العاق بمعصيةِ العقوق، يكون منه العقوق الزائد، والحقد على أخيه، والخطأ لا يدافع بمثله. ولربما ورَّث المحروم حقده لولده فكانت قطيعة الرحم بذلك.
 
ب)العدل بين الزوجات
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء/3]. أي: وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت أيديكم بأن لا تعطوهن مهورهن كغيرهن، فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهن: اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، فإن خشيتم ألا تعدلوا بينهن فاكتفوا بواحدة، أو بما عندكم من الإماء.
وفي سنن أبي داود، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ».
وأما العدل المنفي في الآية: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء/129]، فالمراد به أمران لا يؤاخذ الإنسان بهما: الحب والجماع.
تقول عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رواه أبو داود، وقال: يعني القلب.
ولما سأل عمروٌ  رضي الله عنه  رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك؟ قال: «عائشة» متفق عليه.
 
ج) العدل مع الأعداء
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من الأمثلة ما يحير العقول.
فعن أمِّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمْ السَّامُ، والذام، وَاللَّعْنَةُ، والغضب. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود.
 
د) العدل مع المخالف
لقد ابتُلي الناس في هذا الزمان بفئة ظالمة، لا همَّ لها سوى تتبع الزلات، وتصيُّد العثرات، فمن خالف في مسألة يسوغ الخلاف فيها صار مبتدعاً، فاسقاً، حزبياً، بغيضاً، ضالاً، سرورياً، قطبياً، بغيضاً، والله يقول: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف/19]، فهل أعددنا للسؤال جواباً؟ ولا ريب أن رافع هذا اللواء سينال الحُِظوة عند مشايخه الذين سلك دربهم ورمى بقوسهم، ولكني أذكره بآية في كتاب الله، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم/93-95]. وعندها يكلمنا الله بدون حجاب ولا ترجمان، والله المستعان.
قال ابن رجب رحمه الله: "ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير من صوابه" [القواعد، ص 3].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: "عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أن من غلب عليه نقصانه ذهب فضله. وقال غيرُه: لا يسلم العالم من الخطأ، فمن أخطأ قليلاً وأصاب كثيراً فهو عالم، ومن أصاب قليلاً وأخطأ كثيرا فهو جاهل" [جامع بيان العلم وفضله: 2/48].
وإني أنصح بقراءة ما رقمه العلامة/ عبد المحسن العباد حفظه الله، في (رفقاً أهلَ السنة بأهلِ السنة).
ومما يحمل على العدل مع الغير قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأت منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه» رواه مسلم.
 
الأمر به
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل/90].
ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء/58].
وقال: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى/15].
وقال: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [سورة ص/26].
ويقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد/25].
أي: وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، وأنزلنا الميزان؛ ليتعامل الناس بينهم بالعدل.
ومن نصوص السنة قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا حكمتم فاعدلوا» رواه الطبراني في الأوسط.
وقد قال ربعي بن عامر  رضي الله عنه  -لرستم قائد الفرس لما سأله ما جاء بكم؟- "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" [البداية والنهاية: 7/46].
 
الترغيب في العدل
1/ بالعدل تحفظ البلاد
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، ولو كانت مؤمنة" [الحسبة، ص 16].
وفي حلية الأولياء: كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: أما بعد، فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالا يرُمُّها به فعل. فكتب إليه عمر: "أما بعد، فقد فَهِمتُ كتابك وما ذكرت أن مدينتكم قد خُرِّبت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل، ونقِّ طُرُقَها من الظلم، فإنه مرمَّتُها، والسلام".
 
2/ استجابة الدعاء
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم، الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم» رواه الترمذي.
 
3/ الإمام العدل دعا له النبي صلى الله عليه وسلم
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا اللهم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» ولأحمد: «فشُقَّ».
 
4/ بالعدل يأمن الناس
فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما رأى الأذى يشتد بأصحابه، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة وقال: «فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد» رواه الطبري في التاريخ.
 
5/ العدل أمن من ثورة الشعوب
ونحن في عهد الثورات الشعبية، فمن عدل أمن من ثورة الشعوب، ولله در شاعر النيل وهو يقول في عمريته:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا --- بين الرعية عطلا وهو راعـيها
وعهده بملوك الفرس أن لـــها --- سورا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقا في نومه فــــرأى --- فيــه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملا --- بــبردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكـــبره --- مــن الأكاسر والدنيا بأيديها
وقال قولة حق أصبحت مـــثلا --- وأصـبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمـــت العدل بينهم --- فنمــت نوم قرير العين هانيها


قال النووي رحمه الله: "قال إمام الحرمين: وإذا جار والي الوقت، وظهر ظلمه وغشمه، ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول، فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب. هذا كلام إمام الحرمين. وهذا الذي ذكره من خلعه غريب، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه" [شرح مسلم للنووي: 2/25].
 
6/ العدل أمن من عذاب الله
فعن أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل، أويوبقه الجور» رواه أحمد بإسناد جيد، رجاله رجال الصحيح.
وعن سعد بن عبادة  رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل» رواه أحمد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل ولي عشرة إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يقضى بينه وبينهم» رواه الطبراني في الكبير.
وعن عوف بن مالك  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة»، قال عوف: فناديت بأعلى صوتي ثلاث مرات: وما هي يا رسول الله؟ قال: «أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل، وكيف يعدل مع قرابته»؟ رواه الطبراني في الكبير.
وقال: «وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية» رواه الطبراني في الأوسط.

7/ العدل أمن من الشقاء في الدارين
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم بالجِعْرانة([1]) إذ قال له رجل: اعدل. فقال: «لقد شَقِيتُ إن لم أعدل» رواه البخاري.
 
8/ معية الله
لحديث ابن أبي أوفى  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان» رواه الترمذي.
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله: "أن مسلما ويهوديا اختصما إلى عمر  رضي الله عنه ، فرأى الحق لليهودي، فقضى له عمر به، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق، فضربه عمر بالدرة وقال: وما يدريك؟ فقال اليهودي: والله إنا نجد في التوراة: ليس قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق، فإذا ترك الحق عرجا وتركاه" رواه مالك.
 
9/ محبة الله
عن أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسا: إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله، وأبعدهم منه مجلسا: إمام جائر» رواه الترمذي.
 
10/ الإمام العادل في ظل الله
عن أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» رواه البخاري ومسلم.
 
11/ منابر النور للمقسطين
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا» رواه مسلم.
 
12/ الجنة
عن عياض بن حمار  رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال» رواه مسلم.
وعن أبي بريدة عن أبيه رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة: رجل قضى بغير حق يعلم بذلك فذلك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة» رواه أبو داود.
 
غياب العدل في آخر الزمان
عن عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا» رواه أبو داود والترمذي.
 
صور مشرقة
 عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حدٍّ من حدودِ الله»؟ ثم قام فخطب فقال: «يا أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» رواه البخاري ومسلم.
وانظر كيف أنصف النبي صلى الله عليه وسلم كافراً لما قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللهَ باطل» متفق عليه.
ولما ولي أبو بكر  رضي الله عنه  الخلافة قال: "الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله" رواه عبد الرزَّاق في مصنفه.
وعن أبي عثمان قال: كتب إلينا عمر  رضي الله عنه  ونحن بأذربيجان: "يا عتبةَ بنَ فَرْقَد إنه ليس من كدك، ولا كد أبيك، ولا كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير" رواه مسلم.
وفي كنز العمال عن أنس: أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذاً، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين! فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب فو الله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.
وأُثر عن علي بن أبي طالب  رضي الله عنه  افتقد درعا كانت عزيزة عنده، فوجدها عند يهودي فقاضاه إلى قاضيه شريح، وعلي يومئذ هو أمير المؤمنين، فسأل شريح أمير المؤمنين عن قضيته فقال: الدرع درعي، ولم أبع ولم أهب. فسأل شريح اليهودي: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فرد: الدرع درعي! فيلتفت شريح إلى أمير المؤمنين، هل من بينة؟! قال: مالي بينة! فقضى لليهودي بها، فحمله هذا العدل على أن أعلن إسلامه.
ولما سئل  رضي الله عنه  عن الخوارج: أمشركون هم؟ قال: هم من الشرك فروا. قيل: أفمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم.
وفي سنن البيهقي، لما ذهب عبد الله بن رواحة  رضي الله عنه  إلى اليهود لأخذ ما صالحوا عليه نبينا صلى الله عليه وسلم في خيبر وأرادوا أن يرشوه فقال لهم: "تطعموني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي لكم وحبي إياه على أن لا أعدل بينكم" فقالوا له: بهذا قامت السماوات والأرض. أي: لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه لم يكن العالم منتظما.
أسأل الله أن يوفقنا لنعدل في حكمنا، وأهلينا، وما ولينا.