ديننا الإسلامي الحنيف يدعو إلى مكارم الأخلاق

on
  • 2015-06-26 02:15:14
  • 0
  • 1618

يقول الله تعالى في كتابه الكريم مخاطباً نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، «سورة القلم، الآية 4».

لقد أثنى الله سبحانه وتعالى على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فعندما امتدحه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم لم يمتدحه بالغنى والجاه والسلطان والنسب، وإنما امتدحه سبحانه وتعالى بخير الأمور وأفضلها فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

إن الأخلاق الفاضلة هي أهم الركائز التي تسير بالأمة نحو واقع أفضل، ومن المعلوم أن الرأفة والرحمة هي جوهر رسالته - صلى الله عليه وسلم -، وفيها تركزت دعوته - عليه الصلاة والسلام-.

إن حياة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - تعد نبراساً ومنهاجاً لبناء الشخصية المسلمة التي تتسم بالحق والخير والسمو والاعتدال، فعظمته - صلى الله عليه وسلم - تشرق في جميع جوانب حياته كما قال الإمام علي - كرم الله وجهه -: «كان أجود الناس كفا، وأوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ويقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، وما سُئِل عن شيء إلا أعطاه».

 

لقد صنعه ربه على عينه، وأحاطه برعايته، وشمله بلطفه ورحمته، وخصه بكرامته وأدبه، فجمع له كل المحامد والمكارم ونهاية عظمة الأخلاق.

ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف يدعو إلى مكارم الأخلاق، فقد جاء نبينا - عليه الصلاة والسلام - ليقود البشرية إلى الخير، حيث دعا إلى كل فضيلة ونهى عن كل رذيلة، كما أخذ بأيديهم من الظلمات إلى النور، ومن الجبن إلى الشجاعة، ومن البخل إلى السخاء والكرم، ومن الرذائل إلى الفضائل، ومن الظلم إلى العدل، ومن الخيانة إلى الأمانة، ومن الكذب إلى الصدق، فرسولنا - صلى الله عليه وسلم - كان يُعرف بالصادق الأمين قبل بعثته، فلما أكرمه الله بالرسالة ازداد تمسكاً بهذه الفضيلة حتى شهد له أعداؤه بذلك، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام - حيث يقول الله عن خليله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)، «سورة مريم، الآية 41»، ويقول عن سيدنا إسماعيل - عليه الصلاة والسلام-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا)، «سورة مريم الآية 54»، ويقول عن إدريس - عليه الصلاة والسلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)، «سورة مريم، الآيتان 56 - 57»، ويقول أيضاً: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ)، «سورة المائدة، الآية 75»، أي: وأمه مريم موصوفة بملازمة الصدق والعفاف والطهارة في كل أقوالها وأعمالها وسلوكها.

لقد دعا الإسلام إلى مكارم الأخلاق، وحث عليها وأمرنا بالالتزام بها والسير على نهجها فقد وصف الله نبيه الكريم بأنه صاحب خلق عظيم، فكان - صلى الله عليه وسلم - كما وصفته عائشة قرآناً يمشي على الأرض، وجزى الله نبينا خير الجزاء فما رأى أمراً يقربنا من الله إلا وأمرنا به، وما رأى أمراً يبعدنا عن الله إلا وحذرنا منه، فالأخلاق في الإسلام فرائض لا فضائل، والنصوص الشرعية صريحة في أن الشعائر الإسلامية تربية على الأخلاق، وصولاً إلى الغاية المنشودة وهي طاعة الله عز وجل، فعندما نأتي إلى أركان الإسلام فعلى المسلم ألا ينظر إلى العبادة وحدها، فلا ينظر إلى صلاته، ولا إلى صومه، ولا إلى حجه، ولا إلى زكاته وحدها إن لم تؤدِ به إلى الخلق الحسن لقول الله تعالى عن الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) «سورة العنكبوت، الآية 45»، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً، وإذا أردنا التعرف على الصلاة المقبولة من الله فلنقرأ هذا الحديث القدسي الذي يرويه النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصراً على معصيتي، وقطع النهار في ذكرى، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، فذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي، أجعل له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلماً، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة»، (أخرجه البزار).

وعندما نأتي إلى فريضة الصوم نقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، «سورة البقرة، الآية 183»، فقد شرع الله الصوم ليهذب النفس ويعودها الخير ويبعدها عن الشر فعلى الصائم أن يتحفظ من الأعمال التي تخدش صومه حتى ينتفع بصومه وتحصل له التقوى فالصوم ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب، بل هو إمساك عن الأكل والشرب وسائر ما نهى الله عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه» (أخرجه الترمذي)، وعنه أنه قال «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» (أخرجه ابن ماجه).

وعندما نأتي إلى الزكاة والصدقات نقرأ قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، «سورة التوبة، الآية 103»، ثم نقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ....)، «سورة البقرة، الآية 264».

 

وفي فريضة الحج نجد قول الله سبحانه وتعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، «سورة البقرة، الآية 197»، كما وقال - صلى الله عليه وسلم-: «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، (متفق عليه).

إن ارتباط الضمير الإنساني بالله هو الخط الأول في أي تربية خلقية ناجحة عميقة الجذور، وهذا يقضي باتخاذ العقيدة الإسلامية قاعدة أساسية للتربية الفردية أو الاجتماعية.

ومن الأخلاق الفاضلة أن تحترم الآخرين وتقدرهم، وتمتنع عن الإساءة إليهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، الموطأون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وأن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون المتفيهقون»، (أخرجه الترمذي)، لذلك نهى الإسلام عن لعن المسلم لأخيه المسلم فقال - صلى الله عليه وسلم-: «لعن المؤمن كقتله»، «أخرجه البخاري»، يعني في الإثم، لأن اللاعن يقطعه عن منافع الآخرة، فقد جاء في الحديث: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان»، (أخرجه مسلم)، ومن هذا الحديث نقول: إن اللعنة جريمة استهان بها الناس، فلا يجوز لعن مؤمن، بل ولا كافر بذاته، إلا إذا مات على كفره، ولا حيوان ولا جماد، واللعن معناه الإبعاد من رحمة الله تعالى، لهذا جعله - صلى الله عليه وسلم - كقتل المؤمن، ردعاً للمسلمين أن يُلوثوا ألسنتهم بلعن بعضهم بعضا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة»، (أخرجه الشيخان).

كما لا يجوز وصف المسلم لأخيه المسلم بالكفر، لأن اتهام المسلم بالكفر جريمة كبرى تصل إلى مرتبة القتل، وهذه داهية الدواهي، لا سيما في عصرنا الحالي، حيث كثرت فيه الاتهامات بالكفر والفسوق، وعند دراستنا للسنة النبوية الشريفة نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد حذّر من ذلك قائلاً: «إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما»، (أخرجه مسلم).

هذه هي مدرسة النبوة، ترشدنا إلى وجوب التحلي بمكارم الأخلاق، وضرورة البعد عن الأخلاق السيئة، فالمسلم حينما يتمسك بالأخلاق الفاضلة فإنها تعود عليه بكل خير، فإن الرسالة الإسلامية جاءت من أجل إتمام مكارم الأخلاق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ)، «أخرجه أحمد».

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الدكتور يوسف جمعة سلامة

خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك