دور المملكة في تقنيات معالجات الحاسوب
on- 2015-06-07 14:29:43
- 0
- 2332
كما أن للإنسان لغة مكونة من مجموعة حروف وترتيب هذه الحروف بطرق مختلفة يتم فهمه وتحليله عن طريق العقل البشري، فإن للحاسب لغة معينة يستطيع تحليلها والتعامل معها، لغة الحاسب كما هو معلوم هي لغة ثنائية تتكون فقط من حالتين منطقيتين (حرفين) وهي (١،٠) أي نبضة كهربائية ولا نبضة فكما يتم تكوين أي كلمة أو جملة عن طريق استخدام عدد محدود من الحروف، يمكن تكوين أي كلمة باستخدام ال ٠ و ١ في اللغة الحاسوبية مثلاً، كلمة BOOK باللغة الانجليزية يمكن التعبير عنها باللغة الحاسوبية بالرمز 1100010110111111011111101011 حيث يمثل الحرف بسبع خانات ثنائية، وهكذا بقية الكلمات والرموز والأرقام إن سبب استخدام هذا المنطق الثنائي في الحسم يكمن في طريقة معالجة الحاسب للبيانات والتي تعتمد على الترانزستور كوحدة أساسية، لتقريب الصورة، دعنا نأخذ مخ الإنسان كمثال لمعالجة البيانات مخ الإنسان يتكون من مليارات الخلايا العصبية والتي تقوم بتوصيل إشارات كهربائية بمسارات وأنماط معقدة لتحليل المعلومات ومعالجتها من ناحية أخرى، الحاسب يتكون من مليارات الترانزستورات والتي تقوم بتوصيل نوعين فقط من الإشارات الكهربائية (٠ و ١) ويتم معالجة البيانات بترتيب الترانزستورات بطرق متعددة ومتشابكة حتى يتم التعامل مع البيانات بالطريقة المرغوبة.
كان اختراع الترانزستور كبديل للأنابيب الفراغية (Vacuum Tubes) في العام ١٩٤٧م يمثل نقلة نوعية في بناء الحاسبات وفاتحاً الطريق لثورة الالكترونيات، حيث يمتاز بصغر حجمه واستخدامه لطاقة أقل مقارنة بالأنابيب الفراغية تم انجاز هذا الاختراع في معامل بل (Bell Labs) عن طريق وليم شوكلي وباحثين آخرين ونتيجة لهذا الاختراع حصلوا على جائزة نوبل في الفيزياء عام ١٩٥٦م الجدير بالذكر أن أول ترانزستور تم صنعه من مادة الجرمينيوم ولكن لحقه استخدام مادة السيليكون منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا وذلك لكفاءتها، ورخص ثمنها وتوفرها في الطبيعة بكميات كبيرة، الترانزستور يعتبر الوحدة الأساسية المكونة للمعالجات الحاسوبية أي بعبارة أخرى يمكننا القول بان الترانزستور في المعالج الحاسوبي كالخلية في جسم الإنسان، حيث تكمن أهميته في قدرته على تغيير الإشارة الكهربائية من ٠ الى ١ او العكس كما يستخدم لتضخيم الإشارة عند الحاجة وتعتمد وظيفة الترانزستور على موقعه في الدائرة الكهربائية ويعتبر علم تصميم الدوائر الكهربائية تخصصا تقنيا بحد ذاته يهدف إلى توصيل الترانزستورات بطريقة معينة لتقوم بوظيفة معينة ويرتبط تقدم المعالجات الحاسوبية على مدى كفاءة الترانزستورات المستخدمة في بنائه بشكل رئيسي وهذه الكفاءة يمكن قياسها عن طريق معيارين رئيسين هما صغر الحجم وقلة استهلاك الطاقة
على مدى العقود الماضية تم تطور المعالجات الحاسوبية والتي تمثل الجزء الأهم والأكثر تعقيداً في الحاسب الآلي عن طريق تصغير الترانزستور مؤدياً إلى زيادة سرعة المعالج، تقليل الطاقة المستهلكة في كل ترانزستور وزيادة عدد الترانزستورات في المعالج وبالتالي زيادة وظائف المعالج إن تطور الترانزستور وبالتالي الحاسبات في السنين الماضية هو شيء مثير للدهشة فمثلاً في عام ١٩٧١ م احتوى معالج شركة انتل (Intel) على ٢٣٠٠ ترانزستور بمقياس ١٠ ميكرومتر لكل ترانزستور (١ ميكرومتر = جزء من مليون من المتر) بينما احتوى معالج انتل (Intel) لسنة ٢٠١٤ على عدة مليارات من الترانزستورات بمقياس ١٤ نانومتر للترانزستور (١ نانومتر = جزء من مليار من المتر) أي أن الترانزستور الواحد أصغر بأكثر من ٦٠٠٠ مرة من سمك شعره الإنسان هذا التطور المبهر كان واحدا من أسباب استمرار تكنولوجيا معالجات السليكون لكل هذه السنين والتي استثمرت فيها شركات عملاقة مثل Intel، Samsung و TSMCوشركات عديدة أخرى مليارات الدولارات تطويراً وبحثاً حتى تستمر هذه التكنولوجيا في التطور وتوفير الاحتياجات الحاسوبية لكل المجالات.
ولكن الحقيقة أن تقنية معالجات السليكون لا يمكن أن تستمر في التطور بنفس المعدل الذي استمر في العقود الماضية، وذلك لأن هناك حدودا فيزيائية لحجم الترانزستور الواحد لا يمكن تعديها وبالتالي ظهرت حلول كثيرة حتى يستمر التطور الحاسوبي في المستقبل بعضها دعت لاستبدال السليكون بمواد أكثر كفاءة منها مواد حجمية (Bulk Materials) مثل الجاليوم أرسنايد (GaAs) والجاليوم نايتريد (GaN) وغيرها والتي يكثر استخدامها في التطبيقات الضوئية مثل الليزر والخلايا الشمسية ويتم استخدامها أيضاً في أجهزة الترددات العالية من ناحية أخرى، هناك مجموعة من المواد النانوية (الفائقة في الصغر) والتي تم اكتشافها وتصنيعها في العقود الماضية، وتتمتع بخصائص كهربائية، ضوئية ومكانيكية تميزها عن السليكون ويمكن استخدامها وترتيبها في المعالجات بأحجام صغيرة جداً أحد هذه المواد هو الجرافين (Graphene) وهي طبقة واحدة فقط من ذرات الكربون مرتبة في شكل سداسي حصل مكتشفاها جايم (Geim)ونوفوسلوف (Novoselov) على جائزة نوبل في الفيزياء عام ٢٠١٠م. للجرافين خصائص مميزة جداً بحيث يمكن استخدامها في الالكترونيات المرنة والشفافة والتطبيقات الضوئية وعالية التردد والعديد من التطبيقات الاخرى مثل البطاريات ووسائل تخزين الطاقة من المواد الأخرى أيضاً، أنابيب الكربون النانويةCarbon Nanotubes والتي تتمتع أيضاً بالكثير من الخصائص التي تجعلها مرشحا لاستبدال ترانزستورات السليكون في المعالجات المستقبلية لكن يظل التطبيق الالكتروني الأكثر أهمية للمواد النانوية هو الإلكترونيات المرنة، المطاطة والشفافة والتي تمثل مستقبل الأجهزة الحاسوبية وأجهزة الاتصال هذه التطبيقات تميز هذا النوع من المواد وذلك لعدم إمكانيات تصنيع هذا النوع من الإلكترونيات من السليكون بسبب صلابته وكونه عازلا للضوء.
من الحلول التي طرحت وبدأ التطبيق بها لاستمرار تطور المعالجات هي طريقة توزيع المعلومات داخل المعالج أو عدة معالجات حتى يتم تحليلها بأسرع وقت ممكن هذه الطريقة تعتمد على تصميم معالجات تعمل بالتوازي (Parallel Processing) وتعتمد كذلك على تصميم البرمجيات بطريقة خاصة حتى يتم الاستفادة من مجموعة المعالجات في تسريع تحليل البيانات ولكن هذا الحل أيضاً محدود بحيث ان زيادة عدد المعالجات المتوازية فوق حد معين سوف يحد من سرعة تحليل البيانات وبالتالي لن يتم الاستفادة من المعالجات الإضافية.
أحد الحلول الأخرى المقترحة للجيل الجديد من المعالجات يعتمد على تطبيق المنطق الحسابي بطرق لا تعتمد على الترانزستورات والاشارات الكهربائية مثلاً، يمكن تطبيق منطق حسابي باستخدام اتجاه المجال المغناطيسي للتعبير عن الحالة المنطقية الثنائية (٠ و ١ ) أو غيرها وهو ما يعرف بالالكترونيات الدورانية(Spintronics) أيضاً، يمكن استخدام الحالة الكمية للالكترونات (أصغر وحدة للشحنة الكهربائية) أو الفوتونات (أصغر جسيم في الضوء) أو غيرها من الجسيمات النووية للتعبير عن حالة منطقية حسابية وهو حقل مليء بالدراسات والأبحاث ويمكن أن ينشئ ثورة معلوماتية جديدة ويسمى بالحساب الكمي(Quantum Computing) من وجهة نظر أخرى، هناك العديد من النظريات المنطقية والرياضية والتي تعتمد على منطق غير ثنائي لتحليل وتخزين البيانات ولكن هذه النظريات ما تزال بعيدة عن التطبيق لعدم توفر أجهزة عملية تعمل على منطق غير ثنائي.
ختاما، المملكة العربية السعودية بمواردها تستطيع اللحاق بركب الدول المؤثرة في تقنيه تصنيع الالكترونيات والتقنية الرقمية لما تمتلكه من مقومات مادية تستطيع بها، التركيز على تقنيات ما تزال تحت البحث وضخ أموال وموارد كبيرة فيها حتى يتم نقلها لمرحلة التصنيع من دون عائد مجدٍ على المدى القصير، ولكن حتما عوائد استثمارية وعلمية نستطيع بها أن نكون في مصاف الدول المتقدمة في مجالات التكنولوجيا هذا ليس ضربا من الخيال بل واقع سبقتنا به دول الشرق الاقصي التي كانت منذ زمن ليس ببعيد لا تمتلك أي صناعات تكنولوجية والمزيد من التركيز على فرص المملكه للدخول في مجال التقنيات الالكترونية سيتم نشره في مقال مستقبلي بإذن الله.