اليتيم.. والحياة

on
  • 2015-04-06 13:05:59
  • 0
  • 1771

أمرنا الله سبحانه وتعالى بالرحمة والرفق للبشر كافة وللضعفاء منهم خاصة، ولعلَّ على رأس هؤلاء الضعفاء هم الأيتام، فهم أحوج مايكون إلى العطف والحنان والمساعدة المادية والإنسانية، فقد فقدوا الأمان والسند بفقدهم آبائهم وامهاتهم، وأصبحوا في الحياة بمفردهم، يواجهون مصيرهم ويتعرضون للصعوبات والمحن والابتلاءات وحدهم بلاحضن الأم ولاكتف الأب.. فكيف لنا أن نغفل عنهم؟!

 

رسولنا واليتيم

ولقد كان الرسول "صلى الله عليه وسلم" من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه حين فقد والديه مبكرا؛ ولذلك كان لليتيم عنده منزلة خاصة، حيث قال: "أَنَا وَكافِلُ اليَتِيْمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُما".

 

ودائما ماكان يوصي صحابته والناس جميعا باليتيم، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي "صلى الله عليه وسلم" رجل يشكو قسوة قلبه فقال "صلى الله عليه وسلم": (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك).
 

اليتيم عند ربه

ولليتيم مكانة كبيرة عند خالقه عز وجل، فنجد الله سبحانه وتعالى ذكر لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مرة، وفي ذلك بيان واضح وتنبيه للمسلمين للاهتمام باليتيم وباحتياجاته، والمشكلات التي قد تواجهه معنوية ومادية واجتماعية، وبالنظر في القرآن نجد آيات عديدة في شأن اليتيم، تدور حول: دفع الضرر عنه، ورعاية مصالحه وماله، والحث على الإحسان إليه ومراعاة الجانب النفسي لديه.


قال تعالى (أَرَأيتَ الّذِي يُكَذّبُ بالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعُ اليتيمَ * ولا يحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ) [الماعون 1-3] فمن يطرد اليتيم ويحرمه حقه، هذا هو الذي يكذب بالدين. وفي هذا تعبير عن الترابط العميق بين الدين، وبين الاهتمام بشئون الأيتام. وقد نهانا الله عن إيذاء اليتيم وإهانته فى قوله تعالى (فَأمَّا اليَتِيم فَلاَ تَقهَر) [الضحى 9 ].

 

وقوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة) البلد 11-15 يبين الجزاء العظيم عند الله يوم القيامة لمن يطعم اليتيم ويحنو عليه.
 

والإحسان إلى اليتيم مهم، وقد وقرنه الله بالإيمان به وجعله من أعظم أعمال البر، فقال سبحانه:(لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ) [البقرة 177].


وقال تعالى ممتدحا حال الصالحين: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) الإنسان 8، وقال القرطبي: أي يطعمون الطعام على قلته وحبهم إياه، وشهوتهم له، وروى منصور عن الحسن أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر، فدعا ذات يوم بطعامه، وطلب اليتيم فلم يجده، وجاءه بعدما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام، فدعا له بسويق وعسل فقال: دونك هذا فوالله ما غبنت.


وقد قال تعالى موبخا كفار قريش ومن على شاكلتهم فى إيذاء اليتيم: (كلا بل لا تكرمون اليتيم) الفجر 17 يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: وقد كان الإسلام يواجه في مكة حالة من التكالب على جمع المال بكافة الطرق، مما يورث القلوب قساوة، وكان ضعف اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم، وبخاصة الإناث منهم في صور شتى، وبخاصة فيما يتعلق بالميراث، كما كان حب  المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام، وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان!

 

مال اليتيم

أمر عز وجل بحفظ أموال الأيتام، وعدم التعرض لها بسوء، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الأمور، ورتب عليه أشد العقاب، قال تعالى: (إنّ الذِينَ يَأكُلُونَ أَمَوالَ اليَتَامى ظُلماً إنّما يَأكُلُون في بُطُونِهِم ناراً وسَيصلَونَ سَعِيراً) النساء 10، وقال تعالى: (ولا تَقربُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالتِي هِيَ أحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وأوفُوا بِالعَهدِ إنّ العَهدَ كَانَ مَسئُولا) الإسراء 34، وقال تعالى: (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) النساء 127.

 

 وعدَّ الرسول "صلى الله عليه وسلم" أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟، قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).

 

وعن الوصي على اليتيم وماله قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) واتفق العلماء على أن الوصي الغني لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، وقالوا: معنى قوله: فَلْيَسْتَعْفِفْ أي: بمال نفسه عن مال اليتيم، فإن كان فقيرا أكل منه بالمعروف.


ولحرص الإسلام على أموال اليتامى، أمر باستثمارها وتنميتها حتى لا تستنفدها النفقة عليهم والزكاة الواجبة فيها، فقال "صلى الله عليه وسلم" (ألا من ربى يتيماً له مال فليتجر به، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة).