نشأة الدولة العثمانية
on- 2015-04-03 16:52:10
- 0
- 9010
الدولة العثمانية ظهرت منذ عام 699هـ ولكنها لم تتسلم مقاليد الخلافة إلا في عام 923هـ، لتتحول من مجرد دولة إسلامية إلى مقر للخلافة الإسلامية, وحامي حمى الإسلام حتى انطوت صفحتها في عام 1337هـ.
ورغم أنها لم تشمل كل الأمصار الإسلامية إلا أنها ضمت أكثرها، وكانت محطًّا لأنظار المسلمين في الأمصار التي تخرج عن نطاقها، بصفتها مقرا للخلافة وبصفة أن حاكمها خليفة للمسلمين, وأيضًا لكونها دولة من القوى العظمى آنذاك في العالم، إن لم تكن أعظمها.
ولعل من أهم أهدافنا -بعد معرفة هذه الفترة الزمنية الهامة من تاريخ المسلمين- هو إزالة التشويه الكبير الذي لحق بالخلافة العثمانية، والذي عكف عليه أعداء الإسلام في أوربا النصرانية، بدافع من حقدهم الصليبي الشديد على الإسلام، وللأسف الشديد تبعهم الكثير من مؤرخي المسلمين بسبب التقليد الأعمى لأوربا, باعتبارها رمزًا للحضارة العصرية، وتقدمها في مختلف علوم المعرفة "والله لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم".
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال مهم هو: لماذا بالذات هذا الكم الكبير من التشويه في حق الخلافة العثمانية مقارنه بأي خلافةٍ أخرى في تاريخ المسلمين؟
لقد كان العثمانيون يقاتلون أوربا, حتى قيل إنهم كانوا يحاربون في الجهات الأربع الأصلية في سبيل الإسلام في وقت واحد، فمن الغرب يقاتلون إمبراطورية النمسا، والإسبان في المغرب العربي، ومن الجنوب يقفون في وجه البرتغاليين في الجزيرة العربية، ويضغطون على الروس من الشمال ليخففوا من وطأتهم على التتر والشراكسة المسلمين، ومن الشرق يحاربون الشيعة الذين عقدوا حلفًا مع الصليبيين لمحاربة أهل السنة والجماعة بصفة عامة، والخلافة العثمانية بصفة خاصة.
فماذا تنتظر -أخي المسلم- من نصارى أوربا إلا التشويه للخلافة العثمانية، لقد سجلوا كل سلبية لها, وبالغوا فيها وجاءوا بكثير من الافتراءات, وتجاهلوا تمامًا إيجابياتها بل وعَدُّوا الحكم العثماني استعمارًا دخل بلاد المسلمين بالقوة والقهر؛ لكي يحدثوا الفتنة بين المسلمين, ويفرقوا شملهم وأثاروا العرب خاصة إلى مناهضة العثمانيين.
فالخلافة حسب دعواهم يجب أن تكون محصورة في العرب, ونسى بعض العرب قول رسول الله : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
وأخذ الأوربيون يصورون كل حركة ضد العثمانيين نصرًا، سواء كانت للمسلمين أو النصارى, ويصفون القائم بها بالإخلاص والوطنية, حتى لو كان القائمون بها من قطاع الطرق.
وجاء الأوربيون بأفكار القومية ليشتتوا ويفرقوا المسلمين، حتى يتكون المناخ الملائم لأوربا, لكي تلتهم الأمصار الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، وبسبب النجاح الكبير الذي حققته أوربا في تفريق المسلمين والوصول بهم لحالة من التأخر والتخلف, اتجهت أنظار الكثير من المسلمين إلى أوربا كنموذج للتقدم والازدهار، وأقبل عليها الكثيرون من طلبة العلم من بلاد المسلمين الذين يجهلون الكثير عن أمور دينهم، فنقلوا ما تعلموه من ضلال وتشويه حرفيًّا، وكتبوا المناهج الدراسية والتاريخ بما أملاه عليهم أعداء الإسلام.
فكانت النتيجة أن هيمنت فكرة على كثير من المسلمين، وهى أن الخلافة العثمانية هي المسئولة كلية عما وصل إليه المسلمون من تخلف وضياع, وأن الوسيلة الوحيدة للنهوض بالأمة الإسلامية هي التقليد الأعمى لأوربا، لكي تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار، ونسي المسلمون أنه ما كانت لتقوم لهم قائمة في الأرض إلا بتمسكهم بدينهم, وأن ما لحق بهم من ذل ودمار كان نتيجة طبيعية لتركهم دينهم وحب الدنيا والانغماس في الشهوات.
ولا نقول إن الخلافة العثمانية كانت تمثل الإسلام بشكل صحيح، أو كانت تخلو من الأخطاء، بل نقول إن لها سلبيات وإيجابيات، شأنها شأن الخلافة منذ عهد الأمويين، وحتى العهد العثماني. فهكذا كل عصر له إيجابياته وسلبياته التي يجب أن نبرزها لكي نستفيد بالإيجابيات، ونتعلم من الأخطاء فلا نكررها. ولنبدأ في تناول هذه الصفحة اللامعة من تاريخ المسلمين.
نبذة عن الترك:
قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن جمهورية تركيا الحالية (آسيا الصغرى سابقًا) هي الموطن الأصلي للأتراك والتي ترجع إليها أصولهم، ولكن هذه المعلومة خاطئة تمامًا, فالأتراك موطنهم الأصلي هو بلاد تركستان الموجودة بأواسط آسيا, والتي تمثل أراضيها الآن جمهوريات قازاقستان وتركمانستان وطاجكستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، والتي استقلت مؤخرًا عن الاتحاد السوفيتى السابق، بالإضافة إلى جزء تحتله الصين حتى الآن يعرف بتركستان الشرقية، والذي تطلق عليه الصين إقليم سينكيانغ, أي الولاية الجديدة، ويوجد جزء آخر من بلاد تركستان في كل من إيران وأفغانستان، والذي كان يعرف سابقا بخراسان، حيث تقتسمه كل من إيران وأفغانستان وجمهورية تركمانستان السابق ذكرها.
والسؤال الآن كيف انتقلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى (الأناضول)؟
يرجع الترك إلى الجنس المغولي (ذوى البشرة الصفراء) (أو أبناء يافث بن نوح) الذي يضم معظم قارة آسيا، مثل الصينيين واليابانيين والمغول والتتر والملايو وغيرهم.
وكان الترك معروفين ببأسهم الشديد، وقدرتهم الحربية الفائقة نظرًا لقسوة البيئة التي يعيشونها، حيث المرتفعات والأودية الجافة والصحارى ويشاركهم في ذلك أبناء جلدتهم المغول والتتر، وكانوا قبل الفتح الإسلامي يعبدون الأوثان والكواكب.
وفى عصر الدولة الأموية فتح المسلمون هذه البلاد، ودخل أهلها في دين الله أفواجًا وتوارد على فتحها قادة مسلمون ذوو حماسة شديدة للإسلام، أشهرهم قتيبه بن مسلم الباهلي وآل المهلب الذين ولاّهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأعز الله الإسلام بالترك.
نعود إلى السؤال الذي طرحناه منذ قليل، وهو: كيف وصلت بعض قبائل الترك إلى آسيا الصغرى؟
الإجابة أنه في عهد الدولة العباسية زاد نفوذ الترك, فقد عمل العباسيون على توطين أقسام من جيش خراسان في الأجزاء الأناضولية التابعة لهم والمتاخمة للإمبراطورية البيزنطية، وكانت الحدود بينها وبين الخلافة العباسية يطلق عليها الثغور، والتي كانت مسرحًا للقتال بين الطرفين، وكان الخليفة المهدى يستقدم الأتراك من فرغانة (في جمهورية قيرغيزستان الآن) وبلخ (في خراسان)، ويسكنهم الثغور مثل طرطوس وأضنة ومرعش وخرشنه وغيرها، وكلها في المناطق الجبلية الفاصلة بين المسلمين والروم، وزاد عدد الترك في هذه المناطق في عهد المأمون والمعتصم.
وفي عهد المتوكل أصبح الأتراك هم عماد الجيش في الدولة، وأصبحت الثغور الأناضولية تحت إمرتهم, وكانوا يخضعون للخليفة العباسي تارة، أو للحمدانيين في حلب تارة، أو للطولونيين في مصر تارة أخرى، ورغم هذا الانقسام فإن القتال لم ينقطع بين المسلمين والروم، وكانت الحروب سجالاً بين الطرفين.
وفى مراحل ضعف الدولة العباسية ظهرت دولة السلاجقة، وهم من الأتراك، وكانوا على صراع دائم مع الروم، ومن أبرزهم ألب أرسلان الذي انتصر على الروم انتصارًا حاسمًا في معركة ملاذكرد عام 463هـ.
وانساح السلاجقة بعد تلك المعركة في الأناضول، وأسسوا إمارات كثيرة واستطاع السلاجقة المنتشرون في الأناضول أن يقدموا للمسلمين آثارًا إيجابية كثيرة منها: استرداد بعض الأجزاء من الروم التي سبق أن أخذوها من المسلمين, وفتح كثير من أراضي الأناضول, وزاد التوسع والانتشار كثيرًا في أيام ملكشاه بن ألب أرسلان, وبقيت بعض الإمارات الصليبية في الأناضول تم فتحها بالكامل في عهد العثمانيين.
وعندما جاء الهجوم المغولي على بلاد المسلمين خاف بعض الحكام وتحالفوا -للأسف الشديد- مع المغول الكفرة ضد أبناء عقيدتهم المسلمين.
ووقعت بلاد السلاجقة بيد المغول، واستسلم أمراؤها لهم وصاروا معهم حربًا على المسلمين ثم هزم المغول في عين جالوت سنة 658هـ وخرجوا بعدها من بلاد الشام، فسار الظاهر بيبرس عام 675هـ إلى بلاد السلاجقة لينتقم منهم, والتقى بهم وبحلفائهم المغول والكرج في معركة البستان، وانتصر عليهم، ثم سار ففتح عاصمتهم قيصرية، ومع ضعف المغول زالت دولة سلاجقة الروم، وقامت عدة إمارات في الأناضول، منها أبناء أيدين، وأبناء تركة، وأبناء أرتنا، وأبناء كرميان، وأبناء حميد، وأبناء أشرف قره عيسى، وأبناء صاروخان، وأبناء منتشا، وأبناء جانبدار (أسفنديار)، وأبناء بروانة، وأبناء صاحب أتا، وأبناء قزمان، وأبناء رمضان، وأبناء ذي القادر.
وكادت الأناضول أن تصاب بمثل ما أصيب به المسلمون في بلاد الأندلس وبلاد التتار، نتيجة لتفرق المسلمين ومحاربتهم لبعضهم البعض، والاستعانة بأعداء الإسلام على المسلمين، رغم ما حذرنا منه الله من آثار التفرق في كتابه الكريم: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
ولكن الله قيض للأناضول العثمانيين الذين استطاعوا توحيد إماراتها، ونجت -بإذن الله- من ويلات التفرق كما سنعلم في الصفحات التالية.
نشأة الدولة العثمانية:
صورة لمنطقة آسيا الصغرى (تركيا الحالية)
مع زيادة الضغط المغولي القادم من الشرق على الأمصار الإسلامية لجأت الكثير من القبائل إلى الهجرة إلى الغرب هربًا من بربرية المغول، وهجومهم الوحشي، ومن ضمن هذه القبائل قبيلة قاتي التركمانية برئاسة سليمان شاه بن قيا ألب، وكان موطنها بالقرب من مرو قاعدة بلاد التركمان فاتجهت القبيلة إلى الغرب, حتى وصلت إلى خلاط شمال بحيرة وان, وهدأ الزحف المغولي فرغب سليمان في الرجوع إلى موطنه الأصلي، وفي طريق عودته وأثناء عبوره لنهر الفرات غرق فيه، واختلف أبناؤه الأربعة في الوجهة التي يتجهون إليها، فحقق الأخوان سنغور تكن وكون طوغور رغبة والدهما في العودة إلى موطن أبيهم.
وأما الآخران أرطغرل ودندان فقد اتجها إلى الشمال, وتولى أرطغرل زعامة أفراد القبيلة الذين بقوا في الأناضول, وبعث أرطغرل ابنه ساوجي ليطلب من الأمير علاء الدين السلجوقي، أمير إمارة القرمان التي مركزها مدينة قونية أن يعطيه أرضًا تعيش فيها القبيلة, ولكنه توفي في الطريق، وفي هذه الأثناء لاحظ أرطغرل جيشين يقتتلان؛ أحدهما مسلم -وكانت عليه علامات الهزيمة والضعف- وجيش بيزنطي نصراني يكاد ينتصر, فأسرع بعاطفته الإسلامية ليساعد الجيش المسلم، واستطاع -بفضل الله- أن يحوِّل الهزيمة إلى نصر, وكان الجيش المسلم تحت إمرة الأمير علاء الدين والذي سعد بأرطغرل وأقطعه أرضًا على حدود بلاد الروم (الدولة البيزنطية)؛ ليصد غاراتهم ويغير عليهم, وكان في كل انتصار يحققه عليهم يقطعه الأراضي التي فتحها.
وكان لأرطغرل ابن اسمه عثمان كان يتردد على رجل صالح يتحدث معه، وفي إحدى الزيارات رأى عثمان ابنة الرجل الصالح فأسرّته، فطلب نكاحها من أبيها فرفض أبوها، فحزن عثمان لذلك حزنًا شديدًا، وفي يوم من الأيام إذ هو في سبات عميق إذا بحلم عجيب يراه في منامه ما إن استيقظ منه حتى ذهب إلى الرجل الصالح فقص عليه الحلم، فوافق الرجل على زواجه من ابنته، وكان الحلم أنه رأى القمر صعد من صدر هذا الرجل الصالح وصار بدرًا ثم نزل في صدر عثمان ثم خرجت من صلب عثمان شجرة نمت في الحال حتى غطت الأجواء بظلها عبر جبال القوقاز والبلقان وطوروس وأطلس، وخرج من جزعها أنهار دجله والفرات والنيل والطونه (في البلقان) ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف، تحولها الريح نحو مدينة القسطنطينية، فعند سماع الرجل الصالح هذا الحلم تفاءل وزوجه ابنته. وبشره بأن أسرة عثمان ستحكم العالم.