بئر ومسجد الروحاء من معالم السيرة النبوية
on- 2023-03-19 12:30:10
- 0
- 701
الروحاء مكان معروف بين مكة والمدينة، وإلى المدينة أقرب، ويطلق عليها الروحاء أو بئر الروحاء، وسميت بالروحاء على أكثر الأقوال؛ لأن المارّين كانوا يستريحون في هذا المكان، فقد كانت محطة للقوافل، يقول الحموي: الروحاء: الرَّوح والراحة من الاستراحة، ويومٌ روحٌ أيّ طيب، وأظنه قيل للبقعة روحاء أيّ: طيبة ذات راحة، وقِدر روحاء: في صدرها انبساط، وقصعة روحاء: قريبة القعر، وسئل كثير لِمَ سُمّيت الروحاء روحاء؟ فقال: لانفتاحها ورواحها.
وقد نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، كما مرّ بها في ذهابه إلى مكة، سواءٌ في غزوة الحديبية، أو عمرة القضاء، أو فتح مكة، أو حجه صلى الله عليه وسلم، وقد مرّ بها في غزوة بدر الأولى، وغزوة بدر الكبرى، وغزوة بدر الموعد، وفي غزوة الأبواء، وغزوة بحران، وغزوة بني المصطلق، فأصبحت الروحاء من أكثر المواقع التي مرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا ارتبطت الروحاء تاريخيًّا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقع قريب من بئر الروحاء.
فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بشرف الروحاء على يمين الطريق، وأنت ذاهب إلى مكة، وإلى يسارها وأنت مقبل من مكة، كما مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروحاء في حجته، وحدثت معجزة فعن أسامة بن زيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حجها، فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لها صبي، فسلمت عليه صلى الله عليه وسلم فوقف لها فقالت: يا رسول الله هذا ابني فلان، والذي بعثك بالحق ما زال في حنق واحد منذ ولدته إلى الساعة، أَو كلمة تشبِهها. فأكسع إِليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط يده، فجعله بينه وبين الرحل. ثمّ تفل صلى الله عليه وسلم في فيه. ثمّ قال: اخرج عدو الله فإِني رسول الله، ثم ناولها صلى الله عليه وسلم إِياه فقال: خذيه فلن تري معه شيئًا يرِيبك بعد اليوم -إِن شاء الله تعالى-.
قال أُسامة -رضي الله عنه- وقضينا حجتنا، ثمّ انصرفنا، فلما نزلنا بالروحاء. فإِذا تلك المرأة أُم الصبي، فجاءت ومعها شَاة مصلية. فقالت: يا رسول الله أَنا أُم الصبي الذي أَتيتك به، قالت: والذي بعثك بِالحق ما رأَيت منه شيئًا يريبني إِلى هذه الساعة، قال أُسامة -رضي الله عنه-: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أُسيم، (قال الزهري: وهكذا كان يدعو به تحشمة) ناولني ذراعها، قال: فامتلخت الذراع فناولته إيّاها صلى الله عليه وسلم فأَكلها صلى الله عليه وسلم. ثمّ قال: يا أُسيم ناولني الذّراع، فامتلخت الذراع فناولته إيّاها فأَكلها صلى الله عليه وسلم، ثم قال يا أُسيم: ناولني الذّراع فقلت: يا رسول اللَّهِ إِنّك قد قلت ناولني، فناولتكها، فأَكلتها، ثم قُلت ناولني، فناولتكها فأَكلتها، ثم قلت: ناوِلني الذراع، وإِنّما للشاة ذراعان! فقال صلى الله عليه وسلم: «أَمّا إِنك لو أهويت إِليها ما زلت تَجد فيها ذراعًا ما قلْت لك». أخرجه أحمد، وروى الإمام البخاري في صحيحه في باب المساجد التي على طرق المدينة، والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه أيضًا: أن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- حدّثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء. وقد كان عبدالله -أي: ابن عمر رضي الله عنهما- يعلم المكان الذي كان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي. وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى، وأنت ذاهب إلى مكة، بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر، أو نحو ذلك. كما ذكر السمهودي مسجد الروحاء من المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسفار والغزوات، حيث يقول: وقال الأسدي: وعلى ميلين من السيالة -أي: من أولها- مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مسجد الشرف.
وقد جاء ذكر الروحاء في طرق الحج حيث يذكر الحربي:
ثم رحلناها إلى الروحاء
من كلّ حرفٍ، بالخُطا سمحاءِ
بهذه الديمومة الفيحاء
سامية بعينها الطمحاء
كما ذكرت الروحاء في الأدب كثيرًا، قال كثير:
قنابل خيل ما تزال مظلة
عليهم فملوا كل يوم قتالها
دوافع بالروحاء طورًا وتارة
مخارم رضوى خبتها فرمالها
وبئر الروحاء حاليًا معلوم وموجود المكان، ولكن يخشى عليه اندثاره، كما اندثر المسجد الذي صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتطلب الأمر تثبيت مكان البئر والبحث عن موقع المسجد الذي صلى به الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مرات. وهذا موجه لمن أحبّ مواقع سيرة رسول الله صلى الله عليه سلم الموثقة، والتي ضاعت معظم مواقعها، ولاسيما في الأعوام الأخيرة.