"قصر البديعة" .. طراز معماري فريد يروي حقبة زمنية خلّدها التاريخ
on- 2023-02-21 17:16:10
- 0
- 456
يُعدّ قصر البديعة التاريخي أحد المعالم التاريخية التي بقيت شاهدة على حقبة زمنية راسخة، بطرازه المعماري الفريد الذي يتوسط أشجار النخيل الباسقة، حيث يقع قصر البديعة التاريخي الذي أمر الملك عبدالعزيز –رحمه الله- ببنائه على مجرى وادي حنيفة من الناحية الغربية، وبين شعيب أم قصر من الناحية الشمالية، وشعيب غذوانة من الناحية الجنوبية في عام 1353هـ الموافق 1935م، بعدما وجّه معلم البناء في ذلك الوقت "الاستاد" محمد بن قباع ببناء القصر ليكون مقرًّا للسكن واستضافة كبار الزوار والشخصيات المهمة للدولة والاجتماعات الخاصة.
وعند التمعن في أسلوب بناء القصر ومعاينة أسلوب بنائه، وإجراء بعض المجسات اليدوية في نقاط مختلفة يتبين لنا أن أساسات الجدران الخارجية للقصر مبنية بأحجام صخرية بيضاء مشذبة بطريقة تمكن البناء من تشييد حوائط القصر بشكل هندسي مستقيم، حيث حفرت أساسات القصر بعمق يتراوح بين 80 - 120سم، وعرض يصل إلى 60سم، ورصّت فيها المداميك الحجرية بطريقة منتظمة، كما أن أساسات جدران الوحدات الداخلية للقصر لم تشيد على مداميك حجرية، بل بنيت بمداميك "عروق طينية سميكة"، باعتبار أن الجدران ستكون محمية بجدران القصر الخارجية من أضرار المياه والرطوبة، ورغبةً في البناء باستغلال مادة الطين الجيدة المتوافرة بوادي حنيفة المشيد فيه القصر، كما تم استكمال بناء الأجزاء السفلية من القصر بطريقة المداميك، ويتمثل هذا الأسلوب برص كتل الطين المخلوط بعضِها فوق بعض على شكل صفوف مستقيمة تدك بالأيدي أو بلوح خشبي معد لهذا الغرض، أما الأجزاء العلوية من القصر، الشرفات الخارجية والداخلية، وبعض الجدران الصغيرة فهي مبنية بالطوب اللبن.
ووفق اهتمامات دارة الملك عبدالعزيز بتوثيق القصور الملكية وصفًا وتاريخًا وبالصورة الثابتة والمتحركة، وثقت نمط بناء هذا القصر الذي تم وفق أسس هندسية معمارية، لما هو سائد في المباني الطينية وسط المملكة، حيث كان أسلوب تخطيط المباني في ذلك العهد لا يتم على مخططات أو لوحات ورقية كما هو الحال اليوم، بل يتم بتخطيط المبنى على الأرض مباشرة، ويتم ذلك بأن يقوم البنّاء أو المشرف على البناء نفسه - بعد التعرف على موقع القصر وحجمه - بوضع خطوط تفصيلية بقدمه على الأرض، وقد يستعين ببعض الحبال الليفية أو حبال من الصوف، بحيث يخط في البداية موقع الجدار الخارجي، ثم تنطلق خطوط الوحدات والمرافق الداخلية حسبما اتفق عليه، وبهذا الإجراء يستطيع المشرف على البناء الذي يسمى آنذاك "الاستاد" مراقبة استقامة الأساسات، وتوازن الأضلاع، وكذلك حجم الغرف والساحات والمصابيح وفتحات الأبواب، بحيث يعدل ويحسن كيف يشاء قبل بدء التنفيذ، وبعد أن تتم هذه المرحلة الأولية الأساسية تحفر الأساسيات ويبدأ البناء.
كما كسيت جميع جدران غرف القصر ووحداته من الداخل والخارج بطوب طيني، وهو ما يعرف محليًّا بـ "المشاش"، مغطاة بطبقة أخرى رقيقة من الجص الأبيض، وبخاصة داخل المجالس وغرف القصر الرئيسة والمسجد والأعمدة والشرفات، وأفاريز النوافذ والأبواب، وفيما يتعلق بأعمدة لواوين "مصابيح القصر" فتم بناؤها بواسطة أحجار اسطوانية الشكل مشذبة، لتأخذ الأعمدة هيئات رشيقة إلى جانب استقامتها ومتانتها، فضلاً عن الربط ما بين أعمدة هذه المصابيح بواسطة سواكف متينة أعدت من خشب الأثل، لتستند هذه السواكف على تيجان الأعمدة، التي تتكون من ألواح حجرية مربعة الشكل تثبت فوق رؤوس الأعمدة، ويطلق عليها محليًّا "القنايع".
ويحتوي قصر البديعة على خصائص معمارية تميزه عن الكثير من القصور داخل مدينة الرياض وخارجها، ومن أبرز هذه المميزات وجود مسجد خاص بسكان القصر وضيوفه، وذلك في الدور الثاني جوار المجلس الرئيس للملك، ويبدو هذا المسجد مربع الشكل ويحمل سقفه عمودان اسطوانيان من الخرز، ترتكز على مثليهما من منتصف غرفة في الدور الأرضي تأخذ نفس حجم المسجد، إلا أن هذا الأخير له محراب مجوف يستند خارج المسجد على سارية مصمتة نصف دائرية تبرز من الأرض وكأنها امتداد طبيعي للمحراب، ويقع إلى جانب هذا المسجد المجلس الرئيس الكبير، ولا يتميز هذا المجلس بضخامة حجمه فحسب، بل بجمال تكوينه.
يذكر أن الملك عبد العزيز –رحمه الله- كان يتردد على قصر البديعة برفقة ضيوفه في الصيف، وجرت العادة ، عند قدومه للرياض يتوجه إلى القصر ويمكث فيه حتى يصلي الظهر، ثم يذهب إلى النوم ويخرج بعدها ليجتمع بخاصته حتى يصلي العصر، وبعد تناول الطعام يخرج ومن معه إلى بطحاء الوادي ويجلس هناك حتى يصلي المغرب ثم يعود إلى الرياض، واستخدم هذا القصر لسكن الضيوف بعد بناء "قصر المربع" والقصور المجاورة له، إذ انتقل الملك إلى "المربع" واستخدم قصر البديعة وملاحقه قصورًا للضيافة الملكية.
واتُّخذ القصر في عام 1954م مقرًّا لمدرسة الباطن السعودية وشرطة الباطن، حيث احتلت المدرسة القسم الجنوبي من القصر وما زالت الشواهد التي تدل على استخدام هذا الجزء لأغراض التدريس باقية حتى الآن، أما الجزء الشمالي من القصر فقد استخدم مقرًّا لشرطة الباطن.