مسجد بني أُنيف.. ذاكرة السيرة النبوية في رحاب المدينة المنورة
on- 2022-12-22 10:15:29
- 0
- 1146
توجد بالمدينة المنورة العديد من المساجد التاريخية التي ارتبطت بسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته هو وأصحابة إليها, وأصبحت مقصدًا لزوار المدينة المنورة للصلاة فيها واستذكار سيرته العطرة, والتعرف على بدايات التاريخ الإسلامي من طيبة الطيبة .
ومن هذه المساجد مسجد بني أنيف الذي يقع في منطقة العصبة التاريخية، وهي المنطقة التي اجتمع فيها عدد من المهاجرين قبل قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة كما ورد في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر قَالَ : (لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.).
ويعود المسجد لقبيلة (بني أنيف) من بلي، وهم حلفاء لأهل قباء بني عمرو بن عوف، ويسمى المسجد باسمهم، ويسمى أيضًا عند بعض المؤرخين بمسجد (مصبح)، لما ورد من أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه الصبح يوم الهجرة .
يحكي مسجد بني أنيف في المدينة المنورة فصولا من سيرة خاتم الأنبياء والرسل، النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، ويعد أحد المواضع التي صلى فيها ويستقبل المعلم الأثري اليوم زائريه، لمشاهدة معالمه وتكويناته الفريدة.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي طلحة البراء يعوده، ولما توفي جاء للتعزية، وفي أثناء ذلك صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في موضع هذا المسجد، فقد روى أبو داود عن الحصين أن طلحة البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: "إِني لا أرى طلحة إِلا قد حدث فيه الموت فآذنوني وعجلوا، فإِنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله".
وقد ورد ذكر هذا المسجد عند عدد من المؤرخين عبر التاريخ ومنهم: المطري, والفيروزآبادي, والسمهودي , وعن عاصم بن سويد عن أبيه قال : سمعت مشيخة بني أنيف يقولون : "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما كان يعود طلحة البراء قريبًا من أطمهم" , قال عاصم: قال أبي: فأدركتهم يرشون ذلك المكان و يتعاهدونه ثم بنوه بعد، فهو مسجد بني أنيف بقباء ولا يزال هذا المسجد قائم على حاله على يمين الذاهب لحارة اللهبة نسبة لقبيلة "اللهيبي" في العصبة خلف مستودعات غسان وأهل الحي يعرفونه باسم مصبح .
ويقع مسجد بني أنيف على بعد 500 متر جنوب غربي مسجد قباء، وقد سمي بهذا الاسم لوقوعه في منازل بني أنيف ضمن تسميات النطاق العمراني للمدينة المنورة قديما، واكتملت أخيرا أعمال ترميم وتطوير المسجد الذي تبلغ مساحته 37.5 متر مربع، ضمن برنامج تشرف هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، وهيئة التراث، يشمل تطوير وإعادة تأهيل عدة مواقع ومعالم أثرية تاريخية، وإعادة إحيائها وتهيئتها لاستقبال الزائرين، وإثراء تجربتهم الثقافية، وتمكينهم من مشاهدة المعالم التاريخية في المدينة المنورة، ودعمها بمختلف الخدمات.
وتعد فترة النهار الوقت الأمثل لزيارة مسجد بني أنيف، ومشاهدة تفاصيله وتكويناته العمرانية، وطابعه المعماري الفريد غير المسقوف، فقد روعي في أعمال تطوير المسجد الأثري المحافظة على طرازه المعماري والشكل الهندسي للمسجد، من خلال تثبيت أعمدة خشبية متباعدة في سقف المسجد، لدعم تماسك جدرانه، ولتسمح بدخول الهواء للمكان، كما علقت فيها فوانيس للإضاءة، وكسيت أرضية المسجد بالرخام الأبيض، ويحوي فناؤه الخارجي المكسو بالحجر، شجيرات ونخلا، زرعت بمحاذاة الصخور البازلتية الداكنة التي تشكل سور المسجد التاريخي.