الحِداء.. الأغنية البدوية الخالدة التي سجلتها السعودية في اليونسكو
on- 2022-12-01 10:12:11
- 0
- 537
حين سقط نزار بن مضر -الجد السابع للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم- من فوق جَمله، صاح "وايداه.. وايداه" فوجد الإبل تخطو إليه، ليكون ذاك أول حِداء في التاريخ يُنشد، وبهذه المصادفة اكتشف العرب لغة لمناداة سفن الصحاري التي ترافقهم في الفيافي والقفار.
حِداء الإبل الذي نجحت السعودية في تسجيله بالقائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة "اليونسكو"، يعدّ ترنيمة البدوي في صحرائه السرمدية، وهو ينادي بها إبله للاجتماع حوله.
ولأن العربي في طبيعته دقيق الملاحظة ومسامعه تدرك إيقاعات الطبيعية، أتى الحِداء على بحر الرجز – وضعه فيما بعد النحوي الفراهيدي- الذي استنبطه من ارتعاش الإبل حينما تنهض على قوائمها وهي مريضة.
وبحر الرجز أحادي التفعيلة وهو "مستفعلن، مستفعلن، مستفعلن" ويستخدم في عدة فنون مثل الحِداء، والسامري، والعرضة.
وتجيد الإبل معرفة صوت راعيها وتميز نبرته عن غيره، وتطيع أوامره وتفهم ما يرغب من نشيده، نتيجة للعلاقة الحميمة التي تجمعهما، ويحدو تجاهها طالباً منها التوقف أو التجمع، أو راغباً في توريدها إلى الماء.
ويغني الراعي إلى رفقائه الإبل الذين يجتمعون معاً في صداقة وطيدة، قائلاً: "داه داه" أو "دهده دهده"بألحان تمتع مسامعها فتستجب وتأتي إليه بفعل النداء المندرج ضمن الحِداء ويسمى "الهوبال".
وبعدما استأنست الإبل بفعل "الهوبال" يردف الراعي بـ "العوبال" أو "الأوبال" فتزداد الإبل طرباً، وتفهم من ذلك التهيؤ والاستعداد للإياب إلى الماء والأهل، وقرب ذهاب الظمأ، وتتطرق القصائد في"العوبال" إلى المشاعر الإنسانية والوجدانية ويخالجها مشاعر الشوق والعاطفة والتحفيز والمثابرة، ويترنم بها الراعي كذلك أثناء سقاية الإبل، مثل: "قليبي مع رحيل اليوم.. يا ويلي حالوا بيني وبينه قوم".
أما عبد الله ذي النجادين راعي إبل النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: "تعرضي مدارجاً وسومي.. تعرض الجوزاء للنجوم.. هذا أبو القاسم فاستقيمي".
ويذكر عن الإبل أنها تمتثل للغناء وتطمئن له ويسر خاطرها به وتجاري صاحبها بخطواتها، ويقال في المثل الشعبي "يقطعك ذودٍ ما يطرّب صاحبه" بمعنى أن لا حاجة لإبل لا تسعد ولا تتحمس مع راعيها، وتعتبر هذه الثقافة عنصرا من عناصر الثقافة السعودية التي يتوارثها الأجيال عن أسلافهم.