تاريخ خيبر قبل-وبعد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم لها

on
  • 2022-11-30 10:25:01
  • 0
  • 2946

خيبر، هي مدينة سعودية، تتبع منطقة المدينة المنورة وتبعد عنها 153 كم (95 ميل) إلى الشمال من المدينة المنورة هي ديار قبائل بني رشيد العريقة وتعتبر خيبر ولا تزال منذ أقدم العصور واحة واسعة ذات تربة خصبة معطاءة وذات عيون ومياه غزيرة وتربتها تربة جيدة للغاية تصلح لزراعة الحبوب والفواكه علي اختلاف أنواعها كما انها تعتبر من أكبر واحات النخيل في جزيرة العرب .

تقلب التاريخ في جنبات خيبر، وطبع بصمته في أرجائها، فلا يوجد عصر سابق مضى إلا وترك شاهداً أو نقشا أو أثراً يخبر عن ذكريات حبلى بالأحداث المتراوحة بين الدموية والرومانسية، بين العبادة والعبودية، جميعها سكن في الأشجار، والصخور، والقبور، كمعلم تجلب الأيام له الأجيال جيلا بعد جيل. ولم تغب الديانات عن هذه المنطقة فقد بدأ أهلها منذ قديم الزمان في عبادة الأوثان ثم دخلتها اليهودية عن طريق بطون قبائل تهودت بتأثير من دعاة يهود قبل العصر الإسلامي، وقد أثبت ذلك غلاة المستشرقين الذين لم يجدوا أية صلة تجمعهم ببني إسرائيل أو بيهود من خارج الجزيرة العربية مما جعلهم يستغربون من إقامة ما يدعى بـ «عيد كيبر» اليهودي الذي يرمز إلى خيبر.

آثار العصر الحجري

قوافل الأجيال التي مرت قدمت حججا تؤكد أن المنطقة كانت محط اهتمام من سكنها، ومقصد من يدرك حجم زادها ومائها، فما بين كل اكتشاف لمعدات أو أدوات بدائية تتجلى لغة الحياة الممتدة مابين الحرب والاستقرار، والأدلة مغمورة في أودية خيبر حيث يوجد آثار ترجع إلى العصر الحجري القديم هي عبارة عن قواطع، ومعاول، وأدوات مسننة، وفؤوس كلها من الحجر. حتى حرة خيبر وطرقاتها لم تكن بمعزل عن ذلك فمن بطنها تدفقت الأنصال، والشفرات المشحوذة من إحدى حافتيها بالإضافة إلى مكاشط جانبية مختلفة، وأزاميل متعددة الأطوال، ودوائر ومذيلات حجرية، وألواح حجرية ضخمة موضوعة على هيئة دوائر أو مثلثات يمتد من إحدى زواياها صفان من الحجارة المتوازية على شكل ذيل طويل. تلك الأدوات أثارت اختلاف علماء الآثار حول الأسباب التي دعت الى صنعها خاصة الدوائر والمذيلات الحجرية وانقسموا في آرائهم إلى ثلاثة، أحدها يؤكد أنها اعلام للطريق يستدل بها الغرباء عن المنطقة او المسافرون المارون بها أو أنها رموز إشارة لساكني خيبر آنذاك. في حين كان الرأي الثاني يؤكد انها أماكن للعبادة تحتوي على طقوس دفن معينة مارسها سكان إحدى الحقب الزمنية الزائلة، أما الرأي الثالث والأخير فيرجح أنها استخدمت في مساعدة الناس على توفير الغذاء من خلال اعتمادها كوسيلة صيد.
6 آلاف سنة
تصل المراحل الزمنية التي مرت بها خيبر إلى 6 آلاف سنة قبل الميلاد أما الرسوم الصخرية الموجودة فتعود إلى حقب حديثة تقريبا ما عدا حدب حمر باعتبار أن رسومها غالبا من رسوم الجمال والخيول. وتنتشر هذه الأنواع من الرسوم في مواقع مختلفة كجبلي عطوي، والحرضة الواقعين شمال شرق خيبر في حين توجد رسوم لأبقار لديها قرون طويلة وأخرى لطرق صيد النعام، وذلك في موقع المشرفة. أما وادي الوطيح فيوجد به مناظر تمثل معارك قادها رجال تلك الفترة على ظهور الخيول مستخدمين رماحا طويلة بالإضافة إلى رسوم لأبقار ووعول تشبه إلى حد بعيد الموجودة في جبة حائل. وقد استخدم الرسامون نمط الرسم العودي التجريدي الذي تبدو فيه الأشكال الآدمية والحيوانية على هيئة أعواد متقاطعة.
البابليون في خيبر
وردت خيبر في النص المسماري عندما خضعت لسيطرة الملك نابونيد الذي تولى عرش بابل طوال الفترة من 555 إلى 539 قبل الميلاد بعد وفاة الملك نبوخذ نصر الثاني. وقد عثر على نص مسماري مكتوب فيه خي ايبرا (hi- ib- ra-a) وتعني خيبر، ويثربون (ia-atri-bu يثرب) وتعني المدينة المنورة، ودادانو (da-da-nu دادان) وتعني العلا، وتيماو (ت- ما- أ، te- ma- a) وتعني تيماء، باداكو (pa- dak-ku فدك) وتعني الحائط، وياديخو (ia- di- hu اليديع) وتعني الحويط.
مملكة ديدان
خضعت خيبر في مملكة ديدان ولحيان لسيطرة اللحيانيين مايزيد على 300 سنة حتى العام 250 قبل الميلاد. وجاء خضوع خيبر طوال تلك الفترة لأن هذه المملكة قامت شمال غرب الجزيرة العربية وامتد نفوذها إلى شرق الجزيرة العربية وجنوبها، وتمتد حدود المدن التي سيطر عليه اللحيانيون مابين عمان في الأردن شمالا، وبدر جنوباً مما يضعها ضمن الحدود.
مملكة الأنباط
دانت خيبر بعد ذلك لمملكة الأنباط واستفادت في هذه الفترة من مرور القوافل عليها بعدما باتت طريق التجارة الرئيسي نتيجة اتخاذ الانباطيين مدائن صالح عاصمة ثانية لهم، فقد كانت تمر بها بعض القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها.
عصر الرومان
بعد سقوط مملكة الأنباط سنة 106 وسيطرة الرومان على شمال الجزيرة العربية تضاءلت أهمية الطريق التجاري البري الذي كان يربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، وشهدت تلك المدة دوراً لخيبر في نشاط القوافل العربية فبقيت كذلك حتى ظهور الإسلام.
وقد كان يعقد بخيبر أحد أسواق العرب وهو سوق نطاة خيبر، وكان لها قوافل خاصة بكبار تجارها مثل أبي رافع الخيبري، كما عرفت خيبر خلال تلك الفترة بأنها مصرف الجزيرة العربية نظراً لثراء الكثيرين من تجارها الذين يعدون أول من نشر أساليب الربا والتعامل به في الجزيرة العربية.
الدخول اليهودي
توقفت النقوش العربية الجنوبية عن ذكر المعابد الوثنية منذ عهد الملك الحميري ابكرب أسعد، ورغم تواتر الأخبار باعتناق الملك ابكرب أسعد للديانة اليهودية إلا أن النقوش لم تثبت تهوده.
خلال تلك الفترة حيث انتشرت الديانتان اليهودية ثم المسيحية في القبائل العربية، وكان من ضمن تلك القبائل المتهودة قبائل سكنت في خيبر اُثبت التاريخ أنها لم تكن على أي صلة بأي قبائل يهودية من خارج الجزيرة العربية. وذكر ذلك حمد الجاسر بقوله: «إن اليهودية عند المتقدمين وفي الواقع لم تكن تطلق على جنس وإنما تعني من اتصف أي أن اليهودية قد تطلق على غير جنس اليهود، ويعني بها من يدين بالدين اليهودي أيا كان جنسه، ولعل مما يوضح ذلك لمعرفة أن قبائل يمنية هاجرت إلى شمال الجزيرة العربية وسكنت في يثرب، وفدك، وخيبر، وهي عربية الأصل والمنشأ أما الديانة فهي بالنسبة لهذه القبائل تعتبر أمرا ثانويا».انتهى ما ذكره الجاسر.
ويؤكد المؤرخون أن يهود خيبر لا ينحدرون من بني إسرائيل، وإنما هم من أبناء العرب الذين دانوا باليهودية، وقد روي أن عائلة مرحب فارس خيبر المشهور ترجع إلى إحدى قبائل حمير، وأن بني النضير وبني قريظة ينتميان إلى قبيلة جذام اليمنية التي هاجرت إلى الحجاز وانتشرت في شمال غرب الجزيرة العربية ثم اعتنقت الديانة اليهودية. ومن سادة تيماء الذين اعتنقوا الديانة اليهودية السموأل بن حيا بن عاديا الذي اختلف المؤرخون في نسبه فمنهم من قال إنه من قحطان، ومنهم من قال إنه من غسان من الازد ولا تناقض بين القولين، وفي النهاية فهو عربي اعتنق الديانة اليهودية. وذكر جواد علي أن التلمود أشار إلى اعتناق بعض العرب للديانة اليهودية وقال: «ويظهر من مواضع في التلمود أن نفراً من العرب قد دخلوا في اليهودية، وأنهم جاؤوا إلى الأحبار فتهودوا أمامهم، وكانت اليهودية في حمير، وبني كنانة وبني الحارث بن كعب، وكندة وغسان». وذهب بعض المستشرقين استناداً إلى دراسة أسماء يهود الحجاز عند ظهور الإسلام أنهم لم يكونوا يهوداً حقا بل كانوا عرباً متهودين تهودوا بتأثير الدعاة اليهود، مستغربين في الوقت ذاته من الأسباب التي دعت اليهود إلى إقامة عيد اسمه «كيبر» أي عيد خيبر. وهذا أيضا رأي أحد غلاة المستشرقين المعروفين مرجليوث الذي ذكر أنه لم يكن هناك أي إسم أو نشاط يهودي، والسبب في ذلك يعود إلى أن اليهود نظراً لتقدمهم أكثر من العرب في عصرهم استخدموا الرق أو سعف النخيل أو أي مواد أخرى قابلة للتلف لتسجيل وثائقهم، ومراسلاتهم، فمن النادر أن تبقى مثل هذه الأشياء في محيط العفن الرطب بالواحة، أما الأدلة الأثرية فهي تؤكد أن يهود خيبر وغيرها من مدن الحجاز واليمن كانوا عربا اعتنقوا الديانة اليهودية. وآثار المستشرقين كثيرة في استمرار تأكيدهم على أن يهود خيبر عرب اتبعوا الديانة اليهودية دون أن يكون لهم أي ارتباط أو اتصال متبادل مع بني إسرائيل أو أي طائفة يهودية خارج الجزيرة العربية.

 

لم يبد يهود خيبر أي عداء للمسلمين حتى لحق بهم زعماء بني النضير عندما اجلوا عن المدينة وكان ابرز زعماء بني النضير الذين غادروا المدينة ونزلوا خيبر هم : سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بنابي الحقيق وحيي بن اخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها.

وقد وعد الله المسلمين بمغانم كثيرة يأخذونها إذا هزموا يهود خيبر وسار الجيش إلي خيبر بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمناعة حصون خيبر وشدة باس رجالها وعتادهم الحربي وسلكوا طريق بين خيبر وغطفان ليحولوا بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر لأنهم كانوا أعداء للمسلمين ونزل المسلمون بساحة اليهود قبل بزوغ الفجر وصلوا الفجر قرب خيبر ثم هجموا عليها بعد بزوغ الشمس وفوجئ أهلها بهم وهم في طريقهم إلي أعمالهم فقالوا (محمد والخميس) فقال الرسول صلى الله علية وسلم (الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) وهرب اليهود إلي حصونهم وحاصرهم المسلمون وقد حاولت غطفان نجدة حلفائهم اليهود حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم صوتا يناديهم في أموالهم وأهليهم فرجعوا يظنون أن المسلمين خالفوهم فخلوا بين رسول الله صلى الله علية وسلم وبين خيبر فاخذ المسلمون في افتتاح حصونهم واحد تلوا الأخر وكان أول ما سقط من حصونهم حصن ناعم والصعب بمنطقة النطاة وأبي النزار  بمنطقة الشق في الشمال الشرقي من خيبر ثم حصن القموص المنيع في منطقة الكتيبة وهو حصن ابن أبي الحقيق ثم سقط حصن الوطيح وحصن السلالم واستغرق فتح حصن ناعم عشرة أيام وكانت هذه الغزوة في شهر محرم من السنة السابعة للهجرة.

وسمع من وراء خيبر من اليهود كأهل فدك،  بما حدث لإخوانهم في خيبر، فبعثوا للرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه الصلح، فصالحهم وحقن دماءهم وعاملهم في أموالهم وأراضيهم كأهل خيبر، أن يقوموا بها ولهم نصف الثمر.

وتم الصلح بينهم على ذلك، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب، وكانت خيبر فيئًا بين المسلمين .

وسُر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بنصر الله تعالى، وطابت نفوسهم برضاه تعالى عنهم، وبما رزقهم من الغنائم، وكانوا قد حازوا كثيرا من المغانم وأصابوا كثيرًا من السبي.

 

المصادر :

جريدة عكاظ