موانئ المملكة.. اهتمام وتطور

on
  • 2022-10-01 11:06:30
  • 0
  • 493

ظل ركوب البحر هاجساً يراود الإنسان منذ بدء الخليقة، فمنه كان يصطاد الأسماك على اختلاف أنواعها ويقتات منها ويستخرج منه حلية يلبسها، وبعد ذلك تجرأ الإنسان وغامر بركوبه بعد أن بدأ في صنع ما يركبه من القوارب والسفن، فاستعمله للتنقل وشحن البضائع.

وفي مملكتنا الغالية كان الاهتمام بالموانئ باكراً ومنذ عهد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حيث لعب «ميناء العقير» دوراً مهماً على مسرح الأحداث السياسية للدولة السعودية الأولى والثانية، وفي عهد المؤسس الراحل إبان اتفاقية توطيد الحدود مع الحكومة العراقية عام 1342هـ، في بداية الدولة السعودية الثالثة، حيث يعد ميناء العقير أول وأقدم ميناء في البلاد، وكان له أهمية خاصة كميناء رئيس، حيث تمكنت من خلاله جنوب نجد أن تتصل برموز القوة عبر التاريخ، أمّا بعد عقد اتفاقية التنقيب عن النفط فقد كان العقير الشريان الرئيس الذي مَدّ فُرق البحث والتنقيب بجميع المواد والمعدات اللازمة، إضافةً إلى كونه ملتقى للطرق التجارية التي تربط الجزيرة بفارس والهند وشرق أفريقيا، كما أشار إلى ذلك كل من خالد بن أحمد الفريدة ود. سعد الناجم في كتابهما بعنوان (العقير وأدواره التاريخية)، وبعد اكتشاف النفط بكميات تجارية بدأت الدولة في بناء ميناء رأس تنورة على ساحل الخليج العربي، وتم اكتمال بنائه عام 1939م وأصبح جاهزاً لاستقبال البواخر وناقلات البترول لتصدير الزيت، وقد غادرت أول شحنة زيت خام من ميناء رأس تنورة في العام نفسه وذلك بحضور الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وبذلك فقَد ميناء العقير أهميته الاستراتيجية وقيمته التجارية والحيوية والنشاط مع اكتشاف النفط في المنطقة، وازدادت بعد الطفرة النفطية بناء موانئ ومرافئ بديلة، واستمر الحال في إنشاء وتطوير الموانئ وتم إنشاء المؤسسة العامة للموانئ في عام 1396هـ التي عُنيت بتشييد الموانئ السعودية وإدارتها وتشغيلها، للإسهام في تطوير أعمال التجارة البحرية الإقليمية والدولية، وقد بلغ عدد الموانئ حالياً تسعة موانئ.

شريان رئيس

ويقع ميناء العقير في محافظة الأحساء في المنطقة الشرقية من المملكة، ويبعد الميناء 65 كيلو متراً عن مدينة الهفوف ويقع غرب الخليج العربي، ويعد ميناء العقير أو العجير كما يسميه أهالي الأحساء نسبة إلى اسم قبيلـة عجير التي سكنت المنطقة خلال الألف الأول قبل الميلاد من أهم موانئ الأحساء والمنطقة الشرقية منذ العصور القديمة، حيث ذكر مؤرخون أن العقير كان طريقاً لانطلاق الجيوش الإسلامية لفتح بلاد فارس والهند، كما يعد أول ميناء بحري بالمملكة، وقبل اكتشاف النفط تميز العقير في كونه الميناء الرئيس للأحساء والمناطق الداخلية من الجزيرة العربية ووسيلة للاتصال بالعالم الخارجي، ليس ذلك فحسب وإنما كان من بين الأسواق التجارية المهمة التي تطل على الخليج من الجهة الغربية، وأصبح شريان الحياة لوسط الجزيرة العربية وشرقها، حيث كانت البضائع ‏والأغذية وغيرها ترد إلى قلب الجزيرة العربية والعاصمة الرياض عبر هذا الميناء، كما شهد أحداثاً مختلفة في عهد الملك المؤسس، عندما اتخذه مقراً لمقابلة الدبلوماسيين الأجانب وإجراء المفاوضات مع القوى الدولية السياسية في المنطقة، أمّا بعد عقد اتفاقية التنقيب عن النفط فقد كان العقير الشريان الرئيس الذي مَدّ فُرق البحث والتنقيب بجميع المواد والمعدات اللازمة، وبعد اكتشاف النفط فإن أهمية العقير تراجعت لوجود طرق حديثة معبدة وبناء عدد من الموانئ الحديثة القريبة من منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية، ونظراً لمكانة هذا الميناء وما يحويه وشاطئه من ذكريات جميلة ومناطق أثرية وتراثية، فقد صدر قرار مجلس الوزراء الموقر في عام 1433هـ، بتخصيص مبلغ مليار وأربع مئة مليون ريال لإيصال خدمات البنية التحتية لمشروع العقير في الأحساء، حيث سيكون وجهةً سياحيةً جديدةً على الساحل الشرقي للمملكة.

رأس تنورة

وفي عام 1933م وقعت اتفاقية تنقيب عن النفط بين الحكومة وشركة سماندر أويل أف كاليفورنيا، وبذلك أعطيت الشركة الحق الكامل في التنقيب عن النفط في شرق المملكة بما في ذلك رأس تنورة، وبعد أن تم اكتشاف العديد من آبار النفط في شرق المملكة خاصةً في منطقة رأس تنورة، بدأت الدولة في بناء ميناء رأس تنورة على ساحل الخليج العربي وتم اكتمال بنائه عام 1939م وأصبح جاهزاً لاستقبال البواخر وناقلات البترول لتصدير الزيت، وقد غادرت أول شحنة زيت خام من ميناء رأس تنورة في العام نفسه بحضور المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، حيث أُقيم احتفال كبير في الظهران ورأس تنورة في ربيع الثاني من عام 1358هـ، وذلك بعد وصول الملك عبدالعزيز برفقة سبعة عشر فرداً ومئتي ضيف قادمين من مخيمه في رماح الواقعة قرب الرياض، وقد أُقيمت مراسم استقبال تفقد من خلالها الملك مرافق الزيت يرافقه المدير العام لكاسوك السيد فلويد أوليجر، وكان طريق عودة الملك من رأس تنورة فالقطيف فالدمام فالخبر، فزار أبو حدرية واستراح قليلاً في جبل القرين، وواصل مسيره إلى الظهران، وفي عام 1940م أنشأ في رأس تنورة معملا لتكرير البترول طاقته 3000 برميل في اليوم آنذاك، ونتيجة لظروف الحرب العالمية الثانية في أوروبا عام 1939م بدأت أعمال الشركة بالتوقف تدريجياً حيث أصبح الشحن والوصول إلى الأسواق فيه من الصعوبة الشيء الكثير من حيث صعوبة استيراد المواد والآلات، ما أدى إلى إغلاق رأس تنورة الأمر الذي ترتب عليه تخفيض عدد العمالة الموجودة فيها إلى الحد الأدنى حيث بلغ عدد الموظفين الأمريكيين أقل من مئة والموظفين العرب أقل من ألفين وذلك في عام 1942م، وفي عام 1943م استؤنفت الأعمال بشكل محدود عندما أعلنت الشركة خططها لإنشاء معمل التكرير في رأس تنورة طاقته 50000 برميل في اليوم، وكانت أول شحنة من النفط المكرر من معمل التكرير برأس تنورة قد شُحنت عام 1949م في احتفال حضره ولي العهد آنذاك الملك سعود - رحمه الله -.

مؤسسة عامة

وفي ظل الاهتمام المتزايد بالموانئ والعمل على تطويرها فقد تم إنشاء المؤسسة العامة للموانئ في عام 1396هـ وعُنيت منذ تأسيسها بتشييد الموانئ وإدارتها وتشغيلها، للإسهام في تطوير أعمال التجارة البحرية الإقليمية والدولية والتي تتخذ من منافذ المملكة البحرية ممراً لها، أو منصات للتصدير والاستيراد، وتهيئة البنى التحتية لها لتتمكن من استقبال وسائل النقل البحرية المتطورة، إلى جانب تيسير خدمات نقل الركاب خاصة في مواسم الحج والعمرة، وقد تزايد عدد الموانئ السعودية حتى بلغت تسعة موانئ متنوعة ما بين تجارية وصناعية وميناء خاص بالتعدين، وتتم في موانئ المملكة مناولة 95 % من صادرات وواردات السعودية باستثناء النفط الخام، ويشكل ذلك ما نسبته 61 % من حركة البضائع في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب استقبالها الحصة الأكبر من الصادرات والواردات في العالم بواقع أكثر من 160 مليون طن من الصادرات والواردات سنوياً، ولما زادت الحاجة لمواكبة التطورات في معايير النقل البحري العالمي، وما يترتب على ذلك من زيادة لمساحات الحاويات والسفن، وتفعيل التقنيات الحديثة في هذا المجال والاستزادة من المعدات اللازمة، عملت الدولة على زيادة ميزانية الهيئة إلى جانب القرار بتخصيص قطاع الموانئ، وذلك في عام 1996م، وهو أول قطاع يتم تخصيص خدماته في بلادنا، الأمر الذي ساهم في تحول موانئ السعودية لكيانات اقتصادية مستقلة لمساندة الاقتصاد الوطني، كما تحولت المؤسسة العامة للموانئ إلى الاسم الحالي الهيئة العامة للموانئ بقرار صادر عن مجلس الوزراء السعودي في عام 2017م، وصاحب هذا القرار تحولها إلى هيئة عامة ذات استقلال مالي وإداري، إلى جانب توسيع صلاحيات مجلس إدارة الهيئة لتطوير أنظمة العمل في الموانئ.

دور محوري

وتُشكل الموانئ في بلادنا أحد أهم الروافد الاقتصادية والتجارية الحيوية، وتؤدي دوراً محورياً في تطوير أعمال التجارة الإقليمية والدولية، وترتبط ارتباطاً مباشراً بجميع الأنشطة الاقتصادية والصناعية التي تقام في جميع مدن ومناطق المملكة، لذلك فقد أولت الدولة بها اهتماماً متواصلاً في ظل العمل على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث قامت بتطبيق استراتيجية طويلة المدى مع مستهدفات الرؤية لرفع كفاءة قطاعات الخدمات اللوجستية والتجارة في المملكة، وتحويلها إلى مركز عالمي رئيس يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتعزيز صادراتها غير النفطية، وقد حققت المملكة العديد من الإنجازات، ومن أهمها على ما قامت به شركة أرامكو من عمل دراسات لإنشاء مجمع عملاق للصناعات البحرية في رأس الخير مطلع العام 2013م، وقد تم بالفعل تدشين حوض لبناء السفن يقع مقره في رأس الخير بالقرب من مدينة الجبيل الصناعية على الساحل الشرقي ودشن المشروع في 29 نوفمبر 2016م، وأطلق عليه اسم «مجمع الملك سلمان العالمي للخدمات البحرية» ووضع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - حجر الأساس له، ويعد أكبر مجمع للصناعات البحرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن تتجاوز تكلفة المجمع 20 بليون ريال أي 5.33 بلايين دولار، وتسعى أرامكو السعودية والشركة الوطنية السعودية للنقل البحري للاستفادة من أعمالهما الآخذة في التوسع لتسريع جهود توطين الصناعة والخدمات البحرية الناشئة والواعدة في المملكة ومنظومة التوريد المرتبطة بها، وسوف يساهم المجمع بأكثر من 17 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والحد من واردات المعدات والخدمات البحرية بقيمة تصل إلى 12 مليار دولار، وتوليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة تزيد عن 80 ألف وظيفة بحلول 2030، كما تتواصل النجاحات المتوالية تحقيق الانجازات في ظل عمليات التطوير المستمرة في كافة الموانئ ومن ذلك حصول ميناء الملك عبدالله على لقب أسرع الموانئ البحرية نمواً في الشرق الأوسط خلال الربع الأول من عام 2021م، متقدماً بأربعة مراكز، ليحتل المرتبة 83 ضمن قائمة «ألفالاينر» لأكبر 100 ميناء حاويات في العالم في عام 2020م، مقارنة بالمرتبة 87 في العام السابق، كما تم تصنيف الميناء مؤخراً كثاني أعلى الموانئ كفاءة في العالم من قبل البنك الدولي خلال العام 2020، كما جاء ضمن قائمة أكبر 100 ميناء في العالم بعد أقل من أربع سنوات على بدء عملياته التشغيلية.

المصادر :

جريدة الرياض