تاريخ قرية الفاو في شبه الجزيرة العربية
on- 2021-11-27 11:42:02
- 0
- 896
قرية الفاو تُعد من أكبر وأشهر المواقع الأثرية في السعودية، كانت تعرف في العصور الغابرة باسم «ذات كهل» نسبة للتمثال السبئي الشهير كهل، اتخذها ملوك كندة العربية عاصمة لملكهم منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع للميلاد قبل أن يغادروها ويتخذوا من شمال الجزيرة العربية مركزا لحكمهم.
لم تكن الممالك التي كانت في جنوب الجزيرة العربية على وفاقٍ مع بعضها، بل كانت تقوم بينهم حروب بشكل دائم، فتعرضت مملكة كندة إلى غزو من دولة حمير، وبعد سقوط مملكتهم نزح الكنديون من منطقتهم متوجهين إلى شمال الجزيرة العربية وسكنوا في مناطق حفر الباطن، ودومة الجندل، والقصيم، وبعد انهيار مملكة كندة توسع نفوذ المناذرة والغساسنة نحو جنوب الجزيرة العربية، مما أغضب مملكة حميرّ فعملت على إعادة تأسيس مملكة كندة الثانية لمواجهة خطر نفوذ المناذرة والغساسنة الذين كانوا يخدمون مصالح دولتي الروم والفرس.
تقع قرية الفاو بالجنوب الغربي من العاصمة الرياض بمسافة 700 كم، وتحديداً جنوب غرب مدينة السُلَيِّل بحوالي 100 كم، وجنوب مدينة وادي الدواسر بنفس المسافة تقريباً، وبالتحديد في المنطقة التي يتداخل ويتقاطع فيها وادي الدواسر مع جبال طويق عند فوهة مجرى قناة تسمى «الفاو»، والتي استمدت القرية اسمها الحديث منها تعريفاً وتمييزاً لها عن باقي القرى المجاورة لها.
تضم قرية الفاو العديد من المعالم الأثرية، حيث تحتضن عدداً وافراً من التلال الأثرية المنتشرة فيه، فهناك القصر والسوق الضخم المكون من ثلاثة طوابق وتحيط به الأسوار العالية والأبراج من جهاته الأربع، وهو بمثابة خان للقوافل التجارية التي كانت تنزل في الفاو.
وعُثِر بالموقع على مجموعة من المجسمات البرونزية التي أعطت بعداً حضارياً جديداً، إضافة إلى المقابر المتنوعة في أشكالها، والكتابات التي وجدت بالحرف الجنوبي المسند ، كما تم العثور على قطع أثرية في الموقع.
وعرفت قرية «الفاو» فنًا معماريًا متميزًا من حيث مواد البناء وهندسة العمارة وتبليط المباني وزخرفتها من الداخل والخارج وذلك فيما اكتشف من عمارة السوق والقصر والمنطقة السكنية بالقرية، واستعمل سكان قرية في البناء اللبن المربع والمستطيل، إضافة إلى استخدام الحجر المنقور والمصقول في الأسس وبناء المقابر، والجبس المخلوط بالرمل والرماد في تبليط الجدران الداخلية للمباني، ودعموا مبانيهم بالأبراج المربعة والمستطيلة، ويدل الطراز المعماري على أنه يمثل طرازًا عربيًا فريدًا برزت فيه مراعاة الظروف البيئة واحتياجاتهم المختلفة.
ومن معالم قرية الفاو «القصر» والذي عثر بداخله رسوم فنية تمثل قيمة التطور الفني لهذه المدينة إذا قورنت بمثيلاتها في البلدان المتاخمة، بل إنها تفوقها من حيث الدقة والتناسق وقدرة الفنان الذي رسمها على التعبير عن تصوره الواضح.
كما اهتم السكان بالكتابة، فهي موجودة على سفوح الجبال وفي السوق وعلى اللوحات الفنية وفي المدينة السكنية وعلى شواهد القبور والفخار والمواد الأثرية الأخرى، وعبّر سكان القرية عن أفكارهم وخواطرهم بالخط المسند الجنوبي الذي أخذ في القرية شكلاً متميزًا، أما لغتهم فكانت مزيجًا بين لغة الشمال والجنوب، وكانت موضوعات الكتابة مختلفة فمنها الموضوعات التجارية، إضافة إلى الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الفردية.
وإضافة إلى ذلك تضم قرية الفاو عددًا كبيرًا من الرسوم الفنية المختلفة، حيث اهتم الفنان العربي في شبه الجزيرة العربية برسم مشاهداته في الحياة اليومية على لوحات فنية تختلف في جودتها من مكان إلى آخر.
ومن الآثار المهمة التي عثر عليها في «الفاو» مجموعة من المجسمات الحجرية والمعدنية التي تمثل مزيجًا حضاريًا يمتد منذ القرن الثاني قبل الميلاد بالنسبة للمنحوتات المرمرية.
وتضمنت الآثار قطعًا منسوجة من الكتان وصوف الأغنام ووبر الجمال، وأواني معدنية مثل القدور والسكاكين والإبر وأغماد الخناجر والمفاتيح والأساور، علاوة على المسكوكات التي تعد من أهم معثورات القرية لأن معظمها ضرب فيها، ومعظم المسكوكات التي عثر عليها كانت من الفضة.