دارة الملك عبدالعزيز.. ذاكرة وطن
on- 2021-11-23 16:06:33
- 0
- 689
تزخر شبه الجزيرة العربية بالكثير من المقومات التي جعلت منها محط أنظار العالم بما تملكه من إرث حضاري وثروات طبيعية، إضافةً إلى موقعها الاستراتيجي المميز الذي يربط بين قارات العالم ككل وتاريخها العريق، لذا كانت الأنظار تتجه إلى دراستها وتوثيق معالمها وتاريخها الطويل الممتد عبر القرون، وألّف الكثير من الباحثين والرحالة على مدى العقود الماضية الكثير من الكتب، وقد قاموا بعمل شاق ومضن من خلال الرحلات الاستكشافية وجمع المواد من خلال الالتقاء بمن عاصروا الأحداث، وكذلك الاستعانة بالمخطوطات التي بين يدي الناس في معظم المناطق المراد دراستها وتوثيقها، وحيث إن بلادنا الغالية تشغل الغالبية العظمى من أراضيها، فقد كانت هي أكثر المعنيين بحفظ هذا التاريخ والتراث، وقد بذلت مملكتنا الغالية ومنذ تأسيسها جهوداً كبيرة من أجل الحفاظ على هذا الإرث التاريخي، وتوجت تلك الجهود بإنشاء دارة الملك عبدالعزيز، التي تعد مؤسسة ثقافية تقع في الرياض، وأنشئت لخدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة والدول العربية والإسلامية بصفة عامة، إذ تعد المراكز والمؤسسات الوطنية المعنية بحفظ مصادر التاريخ في أي دولة الحارس الأمين على التاريخ والحضارة وتراث تلك البلدان، ومصدراً مهماً لرفد الأجيال المتعاقبة على مر العصور بتراث أجدادهم وحضارتهم، وتعريفهم بالإنجازات الحضارية والإنسانية التي حققوها في تلك الحقبة من الزمن.
مرجع عالمي
وأنشئت دارة الملك عبدالعزيز بموجب المرسوم الملكي في الخامس من شعبان عام 1392هـ الموافق 1972م لخدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها الفكرية والعمرانية خاصة والجزيرة العربية وبلاد العرب والإسلام عامة، ولجمع المصادر التاريخية المتعددة من وثائق وغيرها مما له علاقة بالمملكة وتصنيفها، والدارة كلمة عربية تعني الأرض الواسعة بين الجبال، أو كل ما يُحيط بالشيء، وهي تُجمع على دارات، ودارات العرب هي السهول البيض التي تُنبت ما طاب ريحه من النبات، وقد تغنى الشعراء قديماً بها حتى إن عددها زاد إلى مائة وعشر دارات، ومن أشهرها «دارة جُلجُل»، وقد كانت رؤية الدارة أن تكون مرجعًا عالميًا في تاريخ المملكة وتراثها وجغرافيتها، وما يتصل بذلك من تاريخ الجزيرة العربية وتاريخ العالمين العربي والإسلامي، ورافدًا حضاريًا يربط أجيالها، كما ترمي في رسالتها إلى التميز في خدمة تاريخ المملكة وتراثها وجغرافيتها، حفظًا وتنميةً وإتاحةً ونشراً، من خلال الأهداف التي وضعتها وهي: تحقيق الكتب التي تخدم تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية، وطبعها وترجمتها بشكل خاص، وتاريخ الجزيرة العربية وبلاد العرب والإسلام بشكل عام، وإعداد بحوث ودراسات ومحاضرات وندوات عن سيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- خاصة وعن المملكة وحكامها وأعلامها قديماً وحديثاً بصفة عامة، وجمع مصادر تاريخ المملكة والمحافظة عليها، وإنشاء قاعة تذكارية تضمن كل ما يصور حياة الملك عبدالعزيز الموثقة وغيرها، وآثار الدولة السعودية منذ نشأتها، بالإضافة إلى منح جائزة سنوية باسم جائزة الملك عبدالعزيز، وإصدار مجلة ثقافية تخدم أغراض الدارة، وإنشاء مكتبة تضم كل ما يخدم أغراض الدارة، وخدمة الباحثين والباحثات في مجال اختصاصات الدارة.
مجلس إدارة
ويتكون مجلس إدارة الدارة من رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ونائب رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-، وعضوية كل من صاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن فهد بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس اللجنة التنفيذية لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، والدكتور ماجد بن عبدالله القصبي وزير الإعلام، وأحمد بن عقيل الخطيب وزير السياحة، والدكتور حمد بن محمد آل الشيخ وزير التعليم، والدكتور فهد بن عبدالله السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز المكلف، وفيصل بن عبدالرحمن بن معمر المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، والدكتور فيصل بن عبدالعزيز التميمي المدير العام للمركز الوطني للوثائق والمحفوظات بالديوان الملكي، ومحمد بن عبدالعزيز الراشد أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية.
قاعدة معلومات
ونظراً لأهمية الوثائق والمخطوطات في حفظ التاريخ والتراث فقد أولت دارة الملك عبدالعزيز جل اهتمامها بذلك، حيث أنشأت قاعدة معلومات الوثائق التاريخية، إذ تمثل الوثائق أحد أهم المصادر التاريخية، وتلبي حاجة مهمة لحفظ التراث وتسجيل التاريخ الوطني، لذلك يعتبر جمع الوثائق التاريخية وتصنيفها، وحفظها من أولويات دارة الملك عبد العزيز، ويستفيد من هذه الوثائق من له اهتمامات في مجالات البحث العلمي والدراسات الأكاديمية المتخصصة التي يُعدها الدارسون والباحثون، وفي مختلف المجالات الإعلامية والثقافية، وتشمل محتويات المركز على القرارات، والبيانات، والوقفيات، والنصائح، والتقارير، والخطابات الرسمية، والمراسلات التاريخية، والصكوك، والملكيات، وقد استطاعت دارة الملك عبدالعزيز الحصول على مجموعة كبيرة من الوثائق من مصادر عدة كالشراء، والإيداع، والإهداء، والتصوير، والاقتناء، كما قام المركز بتصوير الآلاف من الوثائق التاريخية الموجودة لدى المراكز العلمية والأرشيفات داخل المملكة وخارجها، وقد صُنفت الوثائق إلى وثائق محلية، ووثائق عربية، ووثائق عثمانية، ووثائق ألمانية، ووثائق أمريكية، ووثائق فارسية، ووثائق هولندية، ووثائق فرنسية، ووثائق روسية، ووثائق بريطانية، ووثائق إيطالية، وتصدر الدارة مجلة فصلية كل ثلاثة أشهر، وتعنى بنشر البحوث والدراسات العلمية المتعلقة بتراث المملكة وفكرها وتاريخها وثقافتها الوطنية، وبالجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي بصفة عامة، وقد تم إصدار العدد الأول من المجلة في غرة شهر ربيع الأول عام 1395هـ.
مكتبة ضخمة
وتضم دارة الملك عبدالعزيز مكتبة ضخمة تتصدرها مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة، وتضم محتوياتها الموجودة بالمكتبة 1468 مجلداً، وهي مجموعة من الكتب النادرة والدوريات التي تم جمعها خلال فترة حياة الملك عبدالعزيز، وتضم مختلف فروع العلوم الشرعية والتراجم والتاريخ وخصوصاً الإسلامي، واللغة العربية وآدابها، بالإضافة إلى قاعدة معلومات الملك عبدالعزيز في الصحافة، وتحتوي هذه القاعدة على ما ذكر عن الملك عبد العزيز من خلال الصحافة العربية والعالمية وكذلك السعودية، ويمكن للباحث من خلال هذه القاعدة البحث عن بيانات المقالة الصحفية بدلالة العنوان والمؤلف والأعلام والأماكن والهيئات التي ذكرت فيها والدول التي لها علاقة بالمقالة، وكذلك عن طريق مصدر المقالة، كم تضم المكتبة مكتبات عدد من الأفراد والهيئات الحكومية وتشمل: مكتبة الشيخ محمد بن عبدالمحسن الخيال، والمكتبة المهداة من أرامكو السعودية، ومكتبة عبدالله حمود الطريقي وزير البترول السعودي السابق، ومكتبة بهاء الدين الأميري الشاعر العربي المعروف، وكذلك مكتبة عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، ومكتبة محمد أمين التميمي، ومكتبة رشدي صالح ملحس، إضافةً إلى مكتبة خالد القرقني مستشار الملك عبدالعزيز، ومكتبة عبدالمحسن بن عثمان البابطين، ومكتبة فؤاد أمين حمزة وكيل الشؤون الخارجية في عهد الملك عبدالعزيز، إلى جانب مكتبة الشيخ محمد بن عبدالرحمن الفارس، ومكتبة أحمد الشقيري، ومكتبة محب الدين الخطيب الخاصة، ومكتبة راشد بن صالح بن خنين، ومكتبة ناصر بن حمد المنقور.
جمع وحفظ
وتُعد دارة الملك عبدالعزيز مركز الوثائق بالمملكة بمقتضى المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 20/ 5 /1396هـ، ومن المهام التي يقوم بها مركز الوثائق: القيام بجمع وحفظ الوثائق التاريخية، سواءً من الجهات الحكومية، أو غير الحكومية، ومن التسجيلات الصوتية للرجال الذين عاصروا الملك عبدالعزيز، والإشراف على تنظيم هذه الوثائق، وتصنيفها وفهرستها حيث يسهل الوصول إليها، وتيسير الاطلاع على هذه الوثائق، والحرص على جمع المخطوطات من داخل المملكة وخارجها، وتنظيمها من إصدار الفهارس لها، ومن أهم مراكز التوثيق بالدارة مركز توثيق تاريخ الأسرة المالكة السعودية، وقد أسس المركز بتاريخ العاشر من ذي الحجة عام 1421هـ، ويُعنى المركز بتوثيق جميع المعلومات التاريخية ذات العلاقة بأفراد الأسرة المالكة، وإصدار شجرة النسب وتحديثها أولا بأول، بالإضافة إلى مركز التاريخ الشفوي، حيث تولي الدارة أهمية خاصة لحصر وجمع مصادر التاريخ الوطني السعودي داخل المملكة وخارجها، لكون الوثائق التاريخية والمخطوطات والأماكن والآثار والشهادات الشفوية في مقدمة تلك المصادر، وقد تم تأسيس مركز التاريخ الشفوي بالدارة عام 1416هـ الموافق 1997م، كما تم إنشاء المركز الوطني للوثائق، حيث بدأت الدارة الاهتمام بالترميم والتجليد منذ إنشائها عام 1392هـ/1972م، وسعياً منها في الحفاظ على المواد افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله- المقر الجديد للمركز في 26 /12/ 1425هـ الذي جاء تأسيسه دعماً لجهود الدارة ومشروعاتها لخدمة تاريخ المملكة والمحافظة على تراثها، وقد كانت رسالة المركز المحافظة على المواد التاريخية وفق أحدث الأساليب ونشر الوعي وتهيئة المختصين.
دعم ومتابعة
وتحظى دارة الملك عبدالعزيز ومنذ تأسيسها بالدعم والمتابعة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- حيث رأس يوم الاثنين الموافق 14/9/1442هـ -عبر الاتصال المرئي- الاجتماع الحادي والخمسين لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وأكد -أيده الله- خلال الاجتماع أهمية العناية بالتاريخ الوطني، ونشر المحتوى التاريخي للجميع، والاطلاع عليه، والاستفادة منه، منوهاً بجهود دارة الملك عبدالعزيز خلال خمسين عاماً منذ إنشائها، وما تتطلع إليه في المستقبل وفق رؤية المملكة 2030، وناقش المجلس الموضوعات المدرجة على جدول أعماله وأصدر عدداً من القرارات منها: الموافقة على استراتيجية الدارة وخطتها التنفيذية للأعوام 2021- 2023م، وإقرار سياسة حفظ الأوعية التاريخية وتصنيفها، ومشروع تعزيز الهوية الوطنية باستثمار بطاقات الهوية السعودية، كما وافق المجلس على برنامج الاحتفاء بمرور خمسين عاماً على تأسيس الدارة في العام المقبل، وصادق المجلس على الحسابين الختاميين للدارة للعامين الماليين 1441- 1442هـ، وإحاطة المجلس بأنشطة الدارة الثقافية التي تم تنفيذها خلال العام.