مكتبة الملك عبد العزيز .. نموذج لصناعة المعرفة

on
  • 2020-01-21 21:39:11
  • 0
  • 1198

باتت صناعة المعرفة، هاجسًا يوميًا مؤرقًا، تعيشه كثيرٌ من المكتبات العربية والعالمية، خاصة في زمن تدفق المعلومات إلكترونيًا عبر شبكة المعلومات العالمية (إنترنت)؛ أو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ، وفي هذا الخصوص ، وجدت المكتبات نفسها أمام أسئلة نذكر بعضاً منها : كيف نستشرف المستقبل؟ وما هي أشكال خدمات المعلومات المطلوبة في عصر المعرفة؟ وما أثر تقنيات المعلومات والاتصالات على أساليب الوصول إلى المعلومة؟ وإلى أي مدى يُمكن الاستفادة من الثقافة المعرفية/الرقمية لتعزيز القراءة؟ وهي هواجس، تعكس وعيًا جديدًا لدى اختصاصيي المكتبات والمعلومات، قبل مسؤولي المكتبات أنفسهم؛ فرضه تسارع وتيرة التطوّرات التقنية وانعكاساتها على دينامية المكتبات والقراءة وعلى دور الثقافة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومثلما تراكم المحتوى الرقمي الذي تضاعف، وتنامى بشكل كبير؛ فقد تم توظيفه لفهم أنماط التحوّلات في قطاعات عدة، مثل: علوم الفلك والجينات والتجارة الإلكترونية؛ السجلات الحكومية وعلم والدعاية والإعلان والرياضة والطب والشؤون العسكرية والتقنية والعمارة، وتحليل قوانينها والتنبؤ باتجاهاتها المستقبلية؛ خصوصًا الاتجاهات الحديثة في مجال المعلومات والبيانات وتوظيف تقنيات الذكاء الصناعي في المعالجة والاسترجاع واستغلال تقنيات الإنترنت.
وقد أدركت مبكرًا مكتبة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، هذه الحقيقة، وأعدت الأجوبة اللازمة عن هذه الأسئلة، وتلك الهواجس المشروعة؛ لمجابهة تحديات العصر الرقمي، ووعت منذ فترة طويلة، أن أدوار المكتبات لم تعُد مقتصرةً على آليات خزانة المؤلفات بصورتها التقليدية، والوثائق، وفهرستها وتصنيفها، وحفظها؛ بل تؤهّل نفسها وظيفيًا وإداريًا وتقنيًا، لتكون ميدانًا معرفيًا، مرتبطًا بجميع ميادين الحياة الدينية والسياسية، والثقافية، والمعرفية، والاقتصادية والأمنية، سيما بعد تنامي قواعد البيانات والمعلومات الضخمة، التي تحتوي على نصوص وتسجيلات سمعية وبصرية بمجالاتها كافةً، خاصة وأن البشرية مقبلة على تطور تقني، وحضاري وثقافي وعلمي كبير، يعتمد بالأساس على صناعة المعرفة.
وعمدت مكتبة الملك عبدالعزيز على ترسيخ هذا التوجّه الحضاري، والعصري، اتساقًا مع رؤية المملكة 2030م، التي تسشرف آفاق مستقبل المملكة، وتقودها؛ كي تصبح دولةً عصرية حديثة تتواءم فيها السياقات الدينية، والسياسية، والثقافية والمعرفية والاقتصادية والأمنية بما يحقق الاستقرار والبناء، والنماء، وذلك من خلال مساراتها في صناعة المعرفة: علميًا وثقافيًا ومعرفيًا، وتطبيقاتها في هذا الخصوص، التي باتت في وقتنا الراهن أولوية مهمة، ومُلحة لجميع المكتبات؛ لتنميتها، وتطورها وتقدمها في جميع المجالات. فالمكتبة تعمل بجد على الإسهام في الجانب المعرفي والثقافي الذي يساعد في تحقيق جميع أهداف رؤية المملكة 2030، وبالتالي تعزيز مكانة المملكة المعرفية والثقافية عربيًا وإسلاميًا وعالميًا.
ويعد مركز الفهرس العربي الموحد؛ والمكتبة الرقمية العربية الموحدة نموذجين مهمين من مشاريع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لصناعة المعرفة واللذين حازت بهما قصب السبق مع نظيراتها العربية والعالمية؛ وتحقيق الريادة للمملكة العربية السعودية: وطنيًا وإقليميًا وعالميًا.
فبينما يسهم الأول: (مركز الفهرس العربي الموحد)، كإطار جامع، ورائد للعمل التعاوني؛ لحفظ ونشر التراث الفكري العربي؛ لتضيف بذلك إسهامًا مهمًا إلى ما تقوم به من خدمات جليلة في عالم الفكر والثقافة؛ وإيجاد بيئة تعاونية للمكتبات السعودية والعربية، ومن أهم نتائجها تخفيض تكلفة فهرسة أوعية المعلومات العربية وذلك من خلال عملية الفهرسة المتقاسمة التي تتطلب توحيد ممارسات الفهرسة داخل المكتبات العربية باعتماد المعايير الدولية في الوصف الببليوجرافي؛ ما يحقق تطورًا بمستوى المعالجة الببلوجرافية داخل المكتبات العربية بما سينعكس إيجابًا على انتشار الكتاب العربي والتعريف بالثقافة العربية الإسلامية من خلال تسجيلات عالية الجودة تتاح للمكتبات داخل وخارج الوطن العربي والتي ستمكن المستفيد من الوصول إلى المعلومات العربي المحدد بكل يسر.
ويسعى المشروع المعرفي الثاني :(المكتبة الرقمية العربية الموحدة)، إلى مواكبة التطور، وتوفير المحتوى الكامل لبعض هذه الكتب بصيغة إلكترونية في حفظ المعلومات واسترجاعها وتوثيقها بأحدث الطرق وتمكين الباحثين من الوصول إلى المعرفة، مع ضمان الجودة والدقة والسرعة في الحصول على المعلومات، بشكل ميسر ومجاني، ما يجعلها، مصدر فخر لوطننا؛ كونها مركزًا وطنيًا وإقليميًا وعالميًا لصناعة المعرفة، جنبًا إلى جنب مع ما توفره جامعاتنا ومراكزنا العلمية والثقافية والحضارية من إنتاج معرفي، بما يحقّق رؤية المملكة 2030م.