" قباء " منطلق الرسالة وأعظم سيرة
on- 2017-08-31 16:14:38
- 0
- 1901
شهد مسجد قباء العديد من مراحل التطوير والبناء على مرّ التاريخ منذ تشييده حينما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة مهاجراً, إذ يعدّ أول مسجد بني في الإسلام, ولازال يشكّل مقصداً لعموم المسلمين خلال قدومهم إلى المدينة المنورة.
ويتردّد في مسجد قباء جموعاً من الزائرين يومياً, من مختلف الجنسيات والأعمار, للصلاة فيه, يلتقون في باحاته العامرة, ويلتقطون الصور استحضاراً لذكرى عظيمة في مكان ظل شاهداً على المرحلة الأولى لبدء الدعوة الإسلامية التي شعّ نورها من أرض طبية الطيبة, فارتبط "قباء" بأحداث السيرة العطرة وآثارها الخالدة, فكان منهلاً للعلماء والمتعلمين ليتزودوا بالعلوم, وشكّلت جنباته ومحرابه ومآذنه موئلاً للمؤرخين وإلهاماً للشعراء ليسطّروا بكلماتهم ويخلّدوا بقصائدهم عظمة المكان, والمكانة التي يحتلها "قباء" في قلوب المسلمين عامة.
ويعدّ مسجد قباء أحد أشهر المساجد في التاريخ الإسلامي بعد المسجد الحرام, والمسجد النبوي, والمسجد الأقصى، ولكن يختلف بأن الرحال لا تشدّ له, وفي شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة، خرج عليه الصلاة والسلام مهاجراً إلى المدينة، التي أراه الله إياها كقرية ذات نخيل تسمى يثرب، وقد اختار رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - رفيقا له, وكانت هجرته بعد أن اشتد أذى المشركين في مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واجتمعوا في دار الندوة متآمرين لقتله، فاخرج الله رسوله من بين أيدهم, وأكرمه بأن أنزله في دار الإيمان والبركة المدينة, التي تعدّ أول حاضرة للدولة الإسلامية، فخطّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيده الشريفة مسجد قباء، فكان - صلى الله عليه وسلم - يحمل الحجارة بنفسه مشاركاً في بناء هذا المسجد، وإذا أراد أحد أصحابة أن يأخذ عنه الحجر قال: خذ حجراً غيره، واختلف في عدد الأيام التي مكثها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قباء إلا أنه نزل بها يوم الاثنين, وارتحل عنها يوم الجمعة، فسمّي بمسجد بقباء لوجود بئر في المكان تسمى قباء.
وللصلاة في مسجد قباء أجر عظيم, حيث كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقصده بين الحين والآخر ليصلي فيه، ويختار يوم السبت غالباً، ويحض على زيارته, ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه, أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة, كان له أجر عمرة).
واهتم المسلمون بمسجد قباء خلال العصور الماضية، إذ حاز مسجد قباء على عناية المسلمين وحكامهم على مدى العصور فشهد عمليات ترميم وتوسعه متعاقبة، فقد ورد أن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قام بتوسعة مسجد قباء وتجديده، وكذلك عثمان بن عفان - رضي الله عنه - زاد فيه وأخّر محرابه جنوباً، وكذا جدّده عمر بن عبدالعزيز - رحمة الله - في أيام ولايته على المدينة عام 87 - 89 هـ ونمّقه وزيّنه ووسّعه من الشمال, وعمل له مئذنة لأول مره، وجعل في وسطه رحبة، وتوالت تجديداته حتى عهد السلطان محمود الثاني عام 1245هـ وعهد ابنه عبدالمجيد.
وفي عام 1388 هـ أمر الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - بتجديد عمارة مسجد قباء, فبني بناءً حديثاً جميلاً, وزاد فيه من الشمال، وفي عام 1405هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بتنفيذ توسعة هائلة للمسجد, وإعادة بنائه ومضاعفة مساحته عدة أضعاف مع المحافظة على معالمه التراثية بدقّة, فأقيمت أربع مآذن في جوانبه الأربعة, وتولي حكومة المملكة ممثله بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد اهتمامها الكبير بالمساجد.
وقال مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة المدينة المنورة محمد بن إسماعيل أبو حميد أن الدولة - رعاها الله - منذ تأسيسها نهج قادتها على تهيئة الإمكانات وتقديمها لرعاية بيوت الله والعناية بها, والحفاظ عليها حتى يتمكّن روادها وزوارها من أداء عباداتهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة, منوهاً بما تلقاه مدينة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من رعاية خاصة واهتمام بالغ من الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وبمتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز, أمير منطقة المدينة المنورة، مشيراً إلى اعتماد القيادة الرشيدة لرؤية ٢٠٣٠م، التي تشمل المجالات والمرافق, فكان لمسجد قباء نصيباً من ذلك لما له من مكانة خاصة في قلوب المسلمين عامة في شتى أقطار العالم لفضل زيارته والصلاة فيه، مشيراً إلى ما يشهده مسجد قباء من أعمال تطوير وتوسعة تشمل مرافقه, ليستوعب الطاقة الاستيعابية المتزايدة في أعداد الزوار القادمين إلى المدينة المنورة.
ولفت أبو حميد, إلى مشروع إنشاء "درب السنّة" وما سيصاحبه من أعمال تطوير سيعود أثره بشكل مباشر وإيجابي على مسجد قباء لكون هذا المشروع سيسلكه الجميع بإذن الله إحياءً لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المشي بين المسجد النبوي الشريف ومسجد قباء.