إبـراهـيـم الــراشــد.. الصوت الفريد

on
  • 2017-08-28 23:57:43
  • 0
  • 2136

لا تزال الذاكرة الإعلامية والمجتمعية في بلادنا وحتى في البلاد العربية تتذكر ذلك الصوت الذي لطالما تردد وسط ردهات المنازل الصغيرة، حيث البرامج الوثائقية وبرامج الحياة الفطرية والمصارعة الحرة.. إبراهيم الراشد اسم تسبقه شهرته، وأيقونة ساحرة في عالم الإذاعة والتعليق، وهو بلا شك مدرسة فريدة، وطاقة عجزت إلى يومنا هذا معظم المحطات والقنوات الفضائية أن تجود بمثل صوته وتعليقه وتفاعله مع برامجه ومع المشاهد الذي ما يكاد ينتهي من برنامجه إلا وينتظر البرنامج الآخر.

كان الراشد علامةً فارقةً في التلفزيون السعودي والإعلام العربي، إذ لطالما تغنت بأدائه الجماهير التي كانت تترقب ظهور صوته معلقاً ومذيعاً على عدد من البرامج التي منحها «أبو أسامة» لحناً فريداً وعزفاً أخاذاً لا يكاد يعزفه سواه، وكانت لغة إبراهيم الراشد وبلاغته وثقافته الواسعة محل إعجاب الكثير من المشاهدين، لم لا وقد اقترن صوته ببرامجهم ومشاهداتهم التلفزيونية، إذ لطالما تسمّر الكبار والصغار أما شاشة التلفزيون البلورية يترقبون برامجه لا بصوت أحدٍ سواه، قبل أكثر من أربعين عاماً كان الصغار يحكون ما يشاهدونه ويسمعون في برامج العالم الفطري والمصارعة الحرة لأقرانهم وزملائهم في المدارس، ويتساءلون كيف التهم النمر الآسيوي قطيعاً من الظباء الشاردة؟ بل كيف استطاع «سنوكا» المصارع الطائر وزميله «الحلم الأميركي» من تحقيق النصر على «المطرقة الفولاذية» و»الرجل الثعبان»؟ وكانت هذه الألقاب والمصطلحات «أسماء في غير موضعها» إذ لطالما تغنى بها جمهور حلبة المصارعة الأميركية في السبعينات والثمانينات على الرغم من خسارتها لألقاب عديدة، والتي كان إبراهيم الراشد عرابها وسيد انتشارها في العالم العربي بتعليقاته الفريدة وعباراته وألقابه الشهيرة.

انفرد بأسلوبه المشوّق في التعليق على المصارعة الحرة والبرامج الوثائقية وجذب جيل "السبعينات" أمام الشاشة

برامج عديدة

ولد إبراهيم بن عبدالعزيز بن إبراهيم الراشد عام 1945م في قرية البير بالقرب من ثادق، واشتهر بالتعليق على مباريات المصارعة من السبعينات حتى اعتزاله التعليق عام 1998م، كان الراشد قد بدأ تعليمه الجامعي بدراسة الهندسة الميكانيكية في إيطاليا، وتخرج مهندساً عام 1964م، ليعود ويعمل بتدريس الهندسة في المعهد الفني بالرياض، وتزامن عمله في المعهد مع انضمامه إلى فريق التلفزيون السعودي معدًا ومقدمًا ومعلقًا على مباريات المصارعة الحرة، وظل ملتزمًا بذلك العمل حتى أصبح من أشهر المعلقين على مباريات المصارعة الحرة.

من خلال استعراض مسيرته الوظيفية فقد قضى أبو أسامة مدة طويلة في التعليق التلفزيوني قدم فيها العديد من البرامج، ‏كبرنامج ‏الطبيعة العذراء، العالم الفطري، اعرف سيارتك، المصارعة الحرة، ‏والملاكمة، ‏وعرف بأسلوبه الخاص في التعليق على المصارعة، ما ربط نجاح ‏البرنامج به ‏طوال ما يقرب من ثلاثين عاماً، حتى أعلن اعتزال التعليق عام ‏‏1998، كما عمل ‏في إدارة الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، وبإدارة ‏العلاقات العامة ‏بها، واستمر فيها حتى تقاعد، رحمه الله.‏

أربع لغات

اشتهر إبراهيم الراشد بلقب "معلق المصارعة بـ 4 لغات"، وتميز بما يمكن تسميته مدرسة فن جذب المشاهد، وبعد وفاته فقدت حلقات المصارعة الحرة التي كان يعرضها التلفزيون السعودي بصوته، جانباً مهماً من عوامل جذب جمهور المصارعة إلى الاستمتاع بمتابعة هذه الرياضة التي كان الراشد أحد أسباب نجاحها في عقدي السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات، حيث اعتزل التعليق بعد أن كان لصوته وثقافته وإبداعه في اختيار وانتقاء المصطلحات والألقاب وأحياناً "العبارات" التي تأتي ببلاغة عفوية منه شخصياً كما كان لانفتاحه مع جمهوره وترفعه الكلفة والتكلف، دور في قبول صوته وأدائه المتميز، فهو يشعر المشاهد بالحماس ويساهم في دمجه مع الأجواء الصاخبة داخل الحلبة وخارجها حتى أن المشاهد في التلفزيون يشعر وكأنه أحد الحضور الجماهيري. والجميل أن الراشد بتعليقه الراقي يستطيع بفضل ما حباه الله سبحانه من قدرة في فهم أكثر من لغة أن يترجم للمشاهدين كل ما يسمعونه كما كان يفسر لهم بعض الحركات والإيماءات التي تنم عن إدراكه وفهمه لثقافات الشعوب والأعراق المختلفة، بل واستطاعته القيام بالترجمة الفورية وهي أصعب درجات الترجمة، حيث يترجم ويعلق ويشرح ويفسّر ويستعرض كل ما يظهر للمشاهد، ومع هذا لم يكن تعليقه مجرد عرض لما يشاهده بل كان الراشد أديباً مفوهاً فصيح اللسان، فهو يواكب ما تستدعيه ظروف الجولات التي هو بصدد التعليق عليها، وحينذاك يشعر المشاهد وكأنه في أنه خضم الأحداث، وهو مع هذا الحماس لا يلحن في قوله ولا يتلعثم في تعليقه، ويكاد يجمع من عاش فترة المصارعة الحرة في العقود المنصرمة أن إبراهيم الراشد أكثر المذيعين والمعلّقين العرب فصاحةً وقدرةً على مواكبة الأحداث التي هو بصدد التعليق عليها دون أن يفقد منهجه في سرد الأحداث السريعة والحماسية، التي يزيدها حماساً بتحكمه بنبرات صوته وقدرته على دمج متابعيه بمحيط الأحداث التي هو بصدد التعليق عليها، ناهيك عن قوة أدائه الذي يخلب ألباب متابعيه، لاسيما وأن الراشد كان مع هذه القدرة الفائقة في التفاعل مع الأحداث وإثارتها يعيش الأحداث بجوارحه إلى درجة أن بعض مشاهدي برامجه كانوا يتفاعلون معه ويحركون أيديهم ويتقافزون مع نبرات صوته وكأنهم يتابعون مبارة كرة قدم لمنتخب بلادهم.

المعلق العربي

كان المشاهدون يحبون متابعة مباريات المصارعة، ويظل بعضهم ساهراً حتى يتمكن من متابعتها في موعدها الساعة الحادية عشرة، وهو موعد المشاهدين مع الإعلامي ‏منير شما مقدم برنامج المصارعة الحرة، قبل أن يستلم زمامها إبراهيم الراشد، ‏رحمه الله، عام 1395هـ.‏ وفي عقد التسعينيات الهجرية ظل إبراهيم الراشد المعلق الأول للمصارعة الحرة على مستوى الخليج بل ودول العالم العربي قاطبة، واستطاع بأسلوبه الفريد جذب الكثير من المشاهدين في دول الخليج إلى متابعة حلقات المصارعة الحرة التي كان يصفها ويعلق عليها، حتى أن بعض محبي المصارعة يعتبرون أن صوت إبراهيم الراشد يرمز بل ويحاكي ما اتفقوا على تسميته بالزمن الجميل، زمن طفولتهم وشبابهم وربيع أعمارهم ومع هذا فإن جولات المصارعة وبرنامج العالم الفطري كانا يحظيان بمتابعة منقطعة النظير من قبل كبار السن الذين "لم يطل ليلهم لكنهم لم يناموا" مع جولات المصارعة الحرة.

تميّز في التعليق

في تأريخه لحياة إبراهيم الراشد، قال د. أمين ساعاتي المؤرخ الرياضي في المجلد الرابع من موسوعة (تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية ‏السعودية): انفرد إبراهيم الراشد بلون مميز في تعليقه على المصارعة الحرة بالتلفزيون، ونجح في لونه حتى تقدمت إليه بعض الإذاعات الأجنبية والخليجية، تطلب منه وبمبالغ مغرية، التعاون معها، بيد أنه اعتذر عن ذلك، وركز الراشد تعاونه مع التلفزيون السعودي في عدد من البرامج أهمها المصارعة الحرة والملاكمة، بجانب عدد آخر من البرامج العلمية والوثائقية، كما أنه لم يكن يحب الأضواء كثيراً، ويعتذر عن المقابلات الصحفية، والتلفزيونية.

وروى "ساعاتي" ظروف التحاق إبراهيم الراشد بالتلفزيون السعودي كمعلق للمصارعة الحرة، بأن التلفزيون أعلن عن رغبته في توظيف شباب تتوفر فيهم الموهبة والقدرة الإذاعية، وبالفعل تقدم الراشد ونجح، وبدأ تعاونه مع التلفزيون منذ عام 1970م، حيث كان ينال عن الحلقة الواحدة 150 ريالاً، وعلى كل نصف ساعة 60 ريالاً، وهكذا حتى وصلت مكافأته قبل توقفه عن التعليق إلى750 ريالاً للساعة الواحدة، وكان المؤرخ والإعلامي د. عبدالرحمن الشبيلي في إصداراته العديدة عن تاريخ الإعلام في بلادنا لا سيما في تأريخه لبدايات التلفزيون في المملكة قد تحدث بشيء من التفصيل عن هذه الحقبة وهي فترة استقطاب الكفاءات الإذاعية والتي بدأت منذ منتصف الثمانينات الميلادية أي مع بداية البث التلفزيوني كما تحدث عن ظروف التحاق المذيع المميز إبراهيم الراشد وأثنى عليه وعلى قدرته وإمكانياته الفائقة وثقافته الواسعة، وذلك بعد أن تعاقد معه التلفزيون السعودي منتصف التسعينات الهجرية.

مدرس بالمعهد

وذكر الساعاتي أن الراشد عمل مدرباً في المعهد الملكي الفني، ودرَّس مادة الهندسة الميكانيكية التطبيقية، وأنه عندما سئل عن أهم مقومات التعليق الرياضي الناجح أجاب إنها الخلفية الثقافية، والصوت الإذاعي، والصدق في التعبير والابتعاد عن السخرية، حتى لا يثير ذلك أعصاب المشاهدين، فضلاً عن إجادة فن جذب المشاهد، بجانب الإخلاص في العمل وإعطائه كامل الأهمية.

وأكد ساعاتي أن الراحل إبراهيم الراشد أضاف وأضفى على التعليق على مباريات ومنافسات المصارعة الحرة في التلفزيون نكهة حماسية فريدة، ونقل عنه قوله "إنني أنقل جميع مباريات المصارعة مباشرة على الهواء حتى أعيش المباراة، ولا أشعر بشيء ما يكبلني" وأنه كان يحب كل الأندية السعودية، ويميل على المستوى العالمي لناديي مانشستر يونايتد وريال مدريد.

بعيداً عن الأضواء

وعلى الرغم من غياب صورته عن الشاشة ومعرفة الناس لصوته ظل إبراهيم الراشد –برغبةً منه- بعيداً عن الأضواء، عزوفاً عن اللقاءات التلفزيونية والصحفية، ولذا فقلة هم الإعلاميون الذين استطاعوا إقناع الراشد بالموافقة على إجراء اللقاءات الصحفية لعل من أهم وأشهر هذه اللقاءات حوار الدكتور عمر السيف له في مجلة اليمامة في باب "بداية مشوار"، وقد تزامن هذا اللقاء مع توقف الراشد عن التعليق عام (1998م) لذا كان الحوار شاملاً مميزاً وحظي بمتابعة وقراءة واسعة من قبل القراء، لأنه يكاد يكون اللقاء الوحيد الذي سبر أغوار هذا الصوت الإعلامي الحاضر في مسامع الناس الغائب عن أعينهم.

وفي مقابلة نادرة له في برنامج "اخترنا لكم"، وقد أجريت بعد فترة طويلة من انقطاع الراشد عن إجراء أي مقابلات صحفية أو تلفزيونية امتدت لمدة 13 عامًا، حتى أنه، بطرافته المعهودة، وصف تلك المقابلة بـ "مقلب وشربناه"-، روى الراشد بعض ذكرياته الإعلامية، وعرّج على سلوك بعض المصارعين الذين يعلق على مبارياتهم، وفي رد على سؤال قال: إنه يعجبه المصارع حسن السلوك، والذي ينافس بشكل جيد بعيدًا عن فكرة الانتقام، وعلى المصارع أن يبتعد عن تلك الفكرة، خاصة أنها تتعارض مع قوانين اتحادات المصارعة الدولية.

وأجاب الراشد في نفس المقابلة على سؤال عن سبب عزوفه عن المقابلات الصحافة فأوضح أن الصحفيين جميعاً هم أشقاء له، وأن توقفه عن إجراء مقابلات لمدة 13 سنة سببها أنه لا يريد إجراء مقابلة مع صحفي، فيغضب صحفيٌ آخر، وهكذا، لافتًا إلى أنه من الممكن أن تسبب تلك المقابلات الصحفية ردود فعل غير محسوبة لدى جمهور المشاهدين لسبب أو لآخر.

هوية للتعليق

مع بداية بث التلفزيون السعودي كان الإعلامي منير شما يعلق على المصارعة الحرة، وفي بدايات عقد التسعينات ‏الهجرية كان البرنامج يعرض برنامج المصارعة بدون تعليق عربي، ثم في عام 1394هـ تم عرضها بتعليق كوميدي من قبل الفنان الساخر سعد التمامي، ثم في عام 1395هـ ‏سعِد المشاهدون بوجود إبراهيم الراشد معلقاً على المصارعة ‏الحرة، فارتقى بالبرنامج إلى متابعة أكبر وأوسع حتى أصبحت سهرة يوم الاثنين محط انتظار وترقب المشاهدين، كانت مباريات المصارعة ‏الحرة آنذاك إما مصارعة إنجليزية أو أميركية غالباً، بل إنها بشهادة الجمهور المتابع ظلت الفترة الذهبية للمصارعة الحرة وفيها عرضت مصارعة ولاية فلوريدا في نهاية عقد التسعينات ‏الهجرية.‏

وكان إبراهيم الراشد كما أسلفنا يجيد التحدث بأربع لغات أجنبية هي: الإنجليزية، الفرنسية، ‏الألمانية، والإيطالية، الأمر الذي هيأه ليكون مترجمًا في عدد من البرامج المباشرة ‏بالتلفزيون، إضافة إلى حضوره في الندوات والمحاضرات‎ وتميز في نهاية التسعينيات الميلادية، بسبب أدائه المميز الذي جعل العروض التلفزيونية تتسابق للظفر بخدماته قبل نشاط القنوات الفضائية، بيد أنه كان ملتزماً ومحباً لعمله في التلفزيون السعودي، ولذا فقد رفض كل العروض، على الرغم من أنه لم يكتفِ بالتعليق على مباريات المصارعة فحسب، بل قدم عدة برامج تلفزيونية حازت على إعجاب المشاهدين واقترنت به منذ بداية عهده مع التلفزيون، ومن هذه البرامج التي اشتهر بها الراشد وتابعها المشاهدون، برنامج "العالم الفطري" وهو برنامج علمي، فبرغم تكاثر البرامج الوثائقية في القنوات الفضائية إلا أن المشاهد ما زال يستعيد ذاكرته مع هذا البرنامج المثير، الذي أعدته محطة تلفزيون الرياض بدءًا من عام ‏‏1397هـ. ‏

ثقافة وتمكن

واستمر برنامج‏ "العالم الفطري"‏، في ظل تطور أجهزة التلفزيون حتى وصوله للألوان، وهو من ضمن البرامج الأجنبية التي اقتنصها التلفزيون في تلك الفترة لإسعاد المشاهدين وتنويع مداركهم، ويعود الفضل لثقافة الراشد، وطريقة أسلوبه المشوق في تقديم البرنامج ما جعل الجمهور ينتظر لحظات بثه حتى انتهائه، وبرغم تعدد البرامج العلمية المهتمة بعالم الحيوان عبر القنوات، إلا أن المشاهدين كلما رأوا أحدها مماثلاً "للعالم الفطري"، رجعت الذاكرة للوراء في استذكار لإبراهيم الراشد، والمخرج محمد الشقاوي.

كما تابع المشاهدون أيضاً الراشد في برنامج "صراع من أجل البقاء"، حيث كان يتحدث في هذا البرنامج، ويعلق على حياة الحيوانات والطيور وكيف تعيش وتتوالد داخل الغابة وكيف يستفيد منها الإنسان ويصطادها سواء الأليف منها أو المفترس، السام وغير السام، والحيوانات الطليقة داخل الغابات، مثل برامج "سفاري" في المحطات الأجنبية، وكان يشد المشاهد ويأسره بحديثه وتعليقه الشائق، لانسجامه وتفاعله وحبه للبرنامج فضلاً عن الثقافة الواسعة التي يمتلكها الراشد ويطوعها لصالح برنامجه، وتنوير مشاهدي البرنامج بمعلومات وافرة وحقائق مثيرة، قبل ظهور الـ "غوغل" ومحركات البحث في الشبكات الإلكترونية.

وفي المصارعة، كان المشاهدون يفضلون حلقات المصارعة الأميركية، لكونها من جولة واحدة فقط، ما يعني أن هناك مباريات عديدة في الحلقة الواحدة. وقد تميزت المصارعة الأميركية بإثارتها وتشويقها من خلال التحديات، والتدخل من خارج الحلبة، الذي يسيطر على الكثير من اللقاءات، وكان البرنامج يعرض كسهرة في نهاية البث بعيداً عن أعين الأطفال، وقد أصبغ عليها الراشد لوناً من الحماس والندية بالألقاب والمصطلحات والمُلح والطرائف التي كان ينعت بها بعض المواقف والأشخاص، ولم ينس المشاهد كيف وصف شعر المصارع الشبح "هولك هوقان" بعبارة ومصطلح اقتصادي حين قال "غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع".

البث الملون وعصر الفضائيات

تعود علاقة السعوديين مع لعبة المصارعة الحرة أولاً إلى حقبة السبعينات، حيث كان التلفزيون الرسمي يبث حلقات أسبوعية عن المصارعة الحرة والتي كان غالبية مشاهديها من كبار السن "رجال"، ومع تطور التكنولوجيا ودخول البث الملوّن إلى المملكة عام 1977م، زاد مشجعو المصارعة من الفئات صغيرة السن، وفي حين لم تكن تلك الحقبة قد شهدت دخول الفضائيات بعد، كان السبيل الوحيد لمتابعة المصارعة الحرة هو التلفزيون الرسمي، وكان الراحل إبراهيم الراشد، هو نجم الحلبة والمعلق الأول على مستوى الخليج العربي لبرامج المصارعة، حيث استطاع بأسلوبه الفريد جذب الكثير من المشاهدين، ما جعل نجاح البرنامج مقترناً به طوال ما يقارب الثلاثين عاماً.

وبعد بدء عصر الفضائيات خَفَتَ نجم ألعاب المصارعة التقليدية، ولم تعد تحظى بذلك الاهتمام، لتعدد القنوات وبرامج الترفيه الجاذبة، وظهور ما يسمى بمصارعة "دبليو دبليو إي، وهي منظمة المصارعة العالمية الترفيهية، التي تتعامل بشكل أساسي مع مصارعة المحترفين في العالم ويلاحظ أن كثيرين ممن عشقوا مشاهدة مباريات المصارعة وهم صغار ورثوا ذلك عن والديهم الذين أحبوها قبلهم، ودأبوا على مشاهدتها، وانتظار موعد إذاعتها بشغف.

تعبيرات لا تنسى

لا ينسى محبو المصارعة تعبيرات الراشد خاصة عندما كان يقول جملته الشهيرة إذا ‏امتلأت ‏الحلبة بالمصارعين، "واختلط الحابل بالنابل، لا نعلم منْ يضرب منْ"، وجملة "إنه المحـارب"، والتي كان يطيل فيها بطريقة جميلة مشوقة، أو يصف أحد المصارعين، وهو جوني رودس‎، بأنه "لا يمكن التنبؤ بما يفعل"، وبعد انتشار القنوات الفضائية، حيث كانت البداية مع قنوات "ايه آر تي" التي بدأت في إذاعة مباريات المصارعة استجابة لشغف الجمهور بها، والتي تناسب كل الأذواق والميول، ثم تلتها برامج أخرى عديدة حتى انتهى المطاف الآن بقنوات تذيع مباريات المصارعة بجميع فئاتها على مدى 24 ساعة، إلا أن الجميع لم ينس إبراهيم الراشد وتعليقه المميز، وخذ لذلك مثالاً حينما يصيح بأعلى صوته مستفسراً ومستهجناً فعل المصارع الياباني "فوجي" وهو يذر الملح على عيني خصمه مردداً بصوت عالٍ ما...ما الذي تفعله يا فوجي؟

مرضه ووفاته

وفي آخر سنوات حياته تعرض الراشد لأزمات صحية، حيث عانى من مرض السكري، ‏إضافة إلى ذبحة صدرية مزمنة، اشتدت عليه خلال تمتعه بإجازته في سوريا برفقة ‏عائلته، وقد اضطر على إثرها للبقاء في العناية المركزة، ومكث في المستشفى ‏بضعة أيام حتى توفي -رحمه الله- وكان ذلك في عام 2003 وكان له من الأبناء أسامة وعبد‏العزيز، وابنتان نورة ووفاء، وله من الإخوة أربعة محمد وسليمان وصالح وسعد، ‏كما أن له شقيقتين، وعقد عرف عنه -رحمه الله- بره الشديد بوالدته ‏التي توفيت بعده بسنة، -رحمها الله- لم تكن الوحيدة التي فقدته حيث حل خبر وفاته على الأوساط الإعلامية والثقافية مفاجئاً لمحبيه لاسيما على مسامع أولئك الذين لطالما تغنوا بعباراته واستمتعوا أيما استمتاع ببرامجه وتعليقاته الفائقة والفريدة، رحمه الله رحمةً واسعة.

إبـراهـيـم الــراشــد.. الصوت الفريد الإعلامي إبراهيم الراشد رحمه الله
إبـراهـيـم الــراشــد.. الصوت الفريد نال الراشد رضى مشاهدي التلفزيون في ذلك الوقت بأسلوبه المميز في التعليق والتقديم

المصادر :

العربية. نت