رها محرق.. تحدت الصعاب وصعدت أعلى ستة جبال في العالم
on- 2016-04-10 13:36:08
- 0
- 2955
المرأة السعودية كانت وستظل دائماً هي تلك التي تجاوزت بإصرارها وإرادتها كافة العقبات التي حاول المجتمع من قديم أن يضعها أمامها.. امرأة كان لحضورها المحلي وقع القوة، ولحضورها العالمي وقع المفاجأة.. استطاعت أن تستفيد من كل نافذة شرعت لها، ومن كل باب فتحه أمامها ولاة الأمر واحداً بعد واحد.. قالت بكل الطرق وبكافة الوسائل هذه أنا؛ المرأة التي أعطيت خمسة فأنتجت عشرة، أثبت جدارتي في كل موقع وأقدم دليل وطنيتي في كل محفل..
ابنة هذا البلد المعطاء ابنة المملكة العربية السعودية التي اعتزت ببلادها فاعتزت بها البلاد وكرمها العباد وتلقى أنباء صعودها القاصي والداني بتقدير وإعجاب كبيرين..
السفيرة الحقيقية والمتحدثة الرسمية والبرهان المعجز على أن أقل من مئة عام في بلاد تتمتع بالحصافة والثقة والإرادة يمكن أن تغير الظروف وتقلب الموازين وتحول المرأة التي كانت كائناً مستضعفاً مغيباً إلى كيان ذي حضور وقوة يتحلى بالعلم ويترقى في العمل مع احتفاظه بعراقة الجذور وصلابة النشأة.
تَدربتُ في صحراء جدة بحقيبة ثقيلة ومشيت ساعات طويلة
ضيفتنا لهذا الاسبوع دخلت تحديا مختلفا جداً ليس له حضور حقيقي في نمط الحياة اليومية في المملكة، وليس معتاداً في الأوساط الشبابية أو أنواع الرياضة التي يمكن أن تجد لها نوادي أو قاعات، إنها فكرة أن تتسلق جبلاً وأن يكون التسلق لمجرد التسلق وليس للعبور من مكان إلى آخر.
حملت ضيفتنا حقيبة الظهر الثقيلة ودربت نفسها على المشي لساعات طويلة في صحراء جدة حتى تدرب ظهرها فقط لتحقق حلمها، تسلقت بعزيمة لا تلين ستة من أعلى جبال العالم، وتنتظر أن تتسلق القمة السابعة لتصبح العربية الوحيدة التي استطاعت أن تفعل هذا، إنها رها حسن محرق شابة سعودية من مواليد جدة تعيش حالياً ما بين الإمارات والمملكة مصممة جرافيك وخريجة الجامعة الأميركية بالشارقة وتعمل كمصممة مستقلة في شركتها الخاصة للتصميم.
رها متسلقة جبال هكذا ببساطة
والحكاية كما تحكيها لنا بدأت قبل أربعة أعوام حين كانت في مرحلة تغيير كبير في حياتها تقول: بعد تخرجي في الجامعة الأميركية كنت أريد أن أقوم بعمل جديد يفتح لي آفاقا جديدة في تفكيري ونظرتي للعالم، وكانت عائلتي تضغط علي لكي أعود من الإمارات بعد أن أنهيت دراستي لاستقر في المملكة، ولم أكن جاهزة للرجوع كان عندي إحساس بحاجتي للمغامرة وعمل شيء جديد، ولم أكن أعرف تحديداً ما الذي أبحث عنه.
وبالصدفة ذات يوم في إحدى الجمعات قالت إحداهن أمامي إنها تتمنى أن تتسلق جبل كليمنجارو الذي سمعت عنه إنه أعلى قمة في افريقيا، وبمجرد أن قالتها شعرت بالاهتمام والفضول وشعرت أنني أستطيع أن افعل هذا الشيء بل أريد أن أفعله.
رسالة إلى أبي
تقول رها: طوال حياتي أحب الرياضة وفي دمي حب المغامرة وفجأة تحمست للأمر وتملكني إحساس غريب بأنه أمر يخصني ويعنيني جداً فدخلت على الإنترنت أبحث وأقرأ حول هذا الموضوع، وكلما توغلت في القراءة والبحث أكثر ازداد يقيني أنني أريد هذا الأمر، وبالطبع خشيت في البداية أن أصارح أهلي بما أريده إلى أن وصلت إلى قناعة كاملة بأنني أريد أن أقوم بشيء مميز في حياتي، فهاتفت أبي وقلت له فكرتي فانفعل علي ورفض وكان حازماً على الهاتف حين قال «لا».
وأضافت: لكن الموضوع لم يغادر خيالي وما زلت أشعر أن هناك شيئا يناديني وهو شعور مخيف وممتع أيضاً مجرد تفكيرك خارج المألوف، لذا قررت أن أكتب لأبي رسالة طويلة جداً أحكي له فيها عن بواعث رغبتي، ولماذا أريد أن أقوم بهذا الأمر وأذكره بما كان يبثه فينا من روح الاعتماد على النفس وتقدير الذات والثقة التي أعطاها لنا فاحترمناها، وبعد أن أرسلت له الرسالة بالبريد الإلكتروني بقيت أياماً أترقب رده فكان أول رد فعل أنه لم يرد على اتصالاتي به لعدة أيام، وكنت معتادة أن أهاتفه يومياً، وعلى الرغم من خوفي من مجانبة الصواب بإرسال هذه الرسالة إلا أني لم أكن نادمة على إرسالها، وهذا ما جعلني أتيقن أن تسلق الجبال كان قد أصبح هدفا شديد الأهمية في حياتي.
وأردفت رها: بعد عدة أيام أجاب والدي عن رسالتي برسالة قصيرة جداً من سطر واحد «أنت مجنونة، أحبك، انطلقي»، هذه اللحظة غيرت حياتي بدأت من هناك وانطلقت مع شركة سياحية متخصصة، سافرت إلى افريقيا وتسلقت معهم بعفوية جبل كليمنجارو، وكان البرد شديداً، كانت تجربة عجيبة ولكني أحببت الإحساس الذي تركته داخلي ووقعت في غرام الجبال، بعد ذلك جاءت خطوتي الأساسية للتدريب واستعنت بالإنترنت لمعرفة أنواعه وخطط التغذية، ووجدت أنه لا يوجد في المملكة مكان للتدريب على تسلق الجبال فعملت جدولاً لنفسي وبدأت أمشي في صحراء جدة حاملة حقيبة المعدات ذات الوزن التي تدرب الظهر على تحمل الصعود مع وجود حمل عليه وبذلت جهداً كبيراً في هذا الأمر، حيث بدأت التدريب بساعة يومياً مشي مع حمل الأثقال إلى أن وصلت إلى ست ساعات يومياً لأجهز نفسي.
عقب ذلك جاءتني دعوة كريمة من الأميرة ريما بنت بندر لأكون ضمن خمس عشرة فتاة يذهبن إلى معسكر عند سفح جبل إيفرست للتوعية بمرض سرطان الثدي وكان ترشيحي من الشركة السياحية التي ذهبت معها إلى جبال كليمنجارو، وعندما وصلت إلى المعسكر ونظرت إلى الجبل أمامي أعلى قمة في العالم قمة إيفرست أيقنت أنني سأتسلق هذه القمة في يوم قريب.
هوايتي جعلتني أرى عظمة الخالق وعلمتني الصبر وتقدير الذات
عام وست قمم
وقالت رها مستفيضة في ذكرياتها: لم أتسلق قمة إيفرست في تلك الرحلة لكنني كثفت من تدريباتي بعد عودتي لمدة عام كامل تخلله تسلق عدد من الجبال والبراكين في مختلف مناطق العالم، فقد تسلقت أعلى قمة في افريقيا، وأعلى قمة في روسيا، وتسلقت بركانين خامدين في المكسيك، وأعلى قمة في أميركا الجنوبية، كما تسلقت أعلى قمة في القطب الجنوبي.
وكلما ذهبت في رحلة وتسلقت فيها جبلاً ازداد تعلقي بالأمر فينصب تفكيري على الرحلة المقبلة أين ستكون وماذا سأفعل بها.
أهلي في البداية كانوا مذهولين من الفكرة ومن التصميم والتنفيذ والإصرار وتدريجياً بدأوا يتقبلون الأمر، وطبعاً أمي كانت تقلق علي في كل رحلة لكنها كانت متفهمة لهذا الشغف الذي أصبح لدي بتسلق الجبال واحترمت قراري بأن أفعل شيئاً لنفسي بنفسي.
والناس من حولنا لم يكونوا على علم بما أفعل ولكن بعد تسلقي قمة إيفرست ونشر الخبر عرف الناس، فمنهم من اعترض ووجد الأمر غريباً ومنافيا لعادات مجتمعنا المحافظ، ومنهم من تقبل الفكرة وأثنى عليها، وأنا احترم وأتفهم وأتقبل كلتا وجهتي النظر وأعلم يقيناً أنني لم أرتكب خطأً بعملي هذا. كما أن كثيرين من محيط عائلتنا كانوا يثبطون همتي ويقولون «أنتِ سعودية لن تستطيعي أن تفعلي هذا الشيء» فكان قولهم هذا يزيدني إصراراً بقدر ما يضايقني.
تعلمت من التسلق
كثيرة هي الدروس التي تعلمتها الشابة رها من تسلق الجبال مليئة بالوجدانيات والحكم وضبط المفاهيم، تعبر عن ذلك كله قائلة: علمني تسلق الجبال الصبر وانتزع مني عصبيتي القديمة فصرت أكثر هدوءًا وأكثر قدرة على أخذ الأمور بروية والتفكير بصبر، لقد تعلمت الصبر بشكل عملي للغاية ومن الصفر.
أيضاً والأهم تسلقي للجبال زاد إيماني بالله سبحانه وتعالى وبعظيم خلقه وقدرته، الروعة التي تأخذك في تلك الأجواء تجعلك تتم طوال الوقت مسبحاً من فرط الدهشة والجمال والقدرة الإلهية التي لا حدود لها سبحان الله.
علمني تسلق الجبال كذلك ألا أترك فرصة لأحد بأن يهز ثقتي بنفسي وأنني قادرة بحول الله على تخطي أي صعاب في الحياة، فبمجرد أن تفكر في الصعب وتخترقه تجده سهلاً وليس كما توقعت أو تخوفت أو ترددت، فلا تسمع لكلام المحبطين والذين يريدون جرك دوماً إلى طريقهم معتقدين أنه لا طريق غيره وكل ما عداهم هم هو الخطأ.
رؤية ومستقبل
رها مهتمة أيضاً بالسفر والقراءة ولديها هواية جمع الكاميرات القديمة، بالإضافة إلى التصميم ببرامج الحاسوب والذي تخصصت فيه كدراسة ومهنة فيما بعد، وهي تصف مهنتها بأنها مجال آخر للإبداع بلا حدود، حيث يمكنها أن تصمم من وحي خيالها الكروت والبطاقات والشعارات وتصنع عالماً من خيالها غاية في الإبداع، الأمر الذي يبهجها ويسعدها كثيراً. وقالت ضاحكة: أحب أن أصنع الأشياء بيدي وحين كنت طفلة كنت أحب الهدايا التي تأتي لأخي أكثر من الهدايا التي تأتي لي، ففي هداياه تحد، كنت أقبل عليه وهو فك وتجميع الألعاب الميكانيكية كالسيارات وغيرها، فيما كانت هداياي مجرد عرائس ودمى لا تسعدني ولا أحبها.
أما عن أسباب النجاح في حياة المرأة السعودية تحديداً، فهي كما تقول تعتمد كثيراً على تفهم الآباء والأمهات، وهي ترصد في هذا الوقت بالذات كثيراً من الانفتاح الذهني لدى الأسر التقليدية، وبدء الآباء والأمهات يتقبلون أفكاراً وأفعالاً لم يكونوا يتقبلونها فيما مضى. واستطردت رها: صار لدى كثير من الآباء والأمهات انفتاح وبعد نظر وأصبح طموح الابنة لدى كثير من الأسر أمرا مشروعا وليس عيباً ولا غريباً، في الماضي كان الطموح أياً كان شكله يضع الفتاة في تصنيف سيئ، أما الآن فقد أصبح فخراً.
وتابعت: أعتقد أن لدى فتياتنا الكثير والكثير من الطموح والنظرة المتشوقة للجديد والجميل واكتشاف العالم، ويحتجن فقط إلى مساندة ودعم ممن حولهن وإلى الثقة فيهن، وهذا هو المهم. وأوضحت أنها تفكر في الكثير من الأشياء لتفعلها في المستقبل، على رأسها الانتهاء من كتابها الذي تكتبه الآن عن تجربتها في تسلق الجبال والتجربة الروحية والعقلية والوجدانية التي صنعها هذا العالم بداخلها، وأيضاً تسعى إلى أن تتسلق آخر جبل عال في العالم لم تتسلقه، وهو جبل دينالي في أميركا الشمالية لتكون أول عربية تتسلق القمم السبع العالية في العالم.
رها من قريب
ترى رها أن المرأة التي تجري وراء حلمها هي التي تملك إرادتها وتستطيع أن تسعى وراء طموحاتها وتقنع من حولها بشخصيتها وتصميمها. وتؤكد أن والديها هما مثلها الأعلى في الحياة، وتحب من الطعام النوع الإيطالي بالإضافة إلى المأكولات المحلية كالمنتو واليغمش، ولا تتقن الطهو لكنها قد تطهو وفق الوصفات بعض الأطعمة، وتتواصل مع صديقاتها وجهاً لوجه، وتأخذ من الموضة ما يناسبها، وتلعب الكرة الطائرة كهواية إضافية لها.
والد رها: ابنتي تمازحنا برغبتها في رحلة للفضاء
حين تحدثت رها عن والديها معتبرة انهما المثل الاعلى والدافع الاول للمثابرة والسعي واكتشاف الجديد كانت تتحدث بإعزاز وفخر كبيرين وحين ارجعت انطلاقها ونجاحها لدعمهما كانت تقدم صورة جميلة لابوين متفهمين متفاهمين ولديهما ثقة في اولادهما وفخر بهم ..
"الرياض" التقت والد رها رجل الاعمال حسن يحيى محرق الذي بدأ حديثه عن ابنته قائلا : أذكر عندما كان عمر (رها) لا يتجاوز ستة أعوام كانت شغوفة بما هو غير مألوف وغير عادي فلو كانت مع مجموعة أطفال - 10 مثلا - وجميعهم مشغولون بلعبة أو أمر ما - تجد أن (رها) مشغولة بلعبة أخرى أو أمر آخر دون أن يشعر أقرانها أنها لا تشاركهم اهتماماتهم –، إن رها كانت تندمج كليا مع أقرانها من الأطفال عندما يكون هناك أمر شديد الجاذبية – دائما كانت تحب اكتشاف شيء مختلف – أنها تشارك وتنسجم مع من هم في سنها من الأطفال في مرحهم ولعبهم، لكنها تختلف عنهم – كانت رها في طفولتها كثيرة الحركة والمشاكسات الإيجابية – لقد عبرت إحدى قريباتنا عن طفولة رها بقولها: (رها ياداخلة في مشكلة يا خارجة من مشكلة) – إنى لا أنسى ما قالته رها لنا أنا وأمها وإخوانها- وعمرها لم يتجاوز 6 أعوام ونحن في إجازة وجميعنا منهمكون في تناول وجبة الغداء في (نياقرا فولز بأميركا) لتخترق صمتنا وبدون أي مقدمات لتقول: (بابا أنا إنسانة غريبة) – إنى لم ولن أنسى جملتها تلك – فتلك الجملة تعشعش في رأسي حتى الآن حيث إن رها منذ نعومة أظفارها شغوفة - مشغولة بما هو جديد ومميز وغير عادي وكانت ولا زالت عاشقة للرياضة بدءاً من السباحة والغوص وركوب الخيل والرماية والعديد من أنواع الرياضة الأخرى. إنها تتحدث وتعيش قوة الإرادة – التحدي – تتحدت أن أي هدف مهما كان كبير وصعب يضعه الإنسان نصب عينه فإنه بالإرادة القوية بحول الله وعونه يمكنه تحقيقه - إنها تمازحنا منذ اقتحامها لأعلى قمم الجبال بدءاً بجبل كلمنجارو في إفريقيا وانتهاءً بأعلى قمة جبل في العالم (إيفرست) تمازحنا برغبتها عن (رحلة للفضاء) غير أنى أعلم أنها لا تمزح وتعني ما تقول. إن إيمانها القوي بربها سبحانه يجعلها تعيش جملتها التى تتخذها دستورا لها. ومستهلا بعبارة "أحلامنا ليست سوى البداية" ينهي عم حسن حديثه معنا عن رها قائلا باعزاز: إن دعمنا (أنا وأمها وإخوانها) لرها لا حدود له وبكل ما نستطيع حيث يملؤنا فخرا واعتزازا أن شابة مسلمة عربية سعودية ترفع المصحف الشريف في أقصى جنوب الكرة الأرضية وهي فوق أعلى قمة جبل في القطب المتجمد الجنوبي – ثم ترفع علم وطنها العزيز (لا إله إلا الله محمد رسول الله) من فوق أعلى قمة جبل في العالم – إيفرست 29000 قدم والحمد لله.