واجبنا تجاه ديننا
on- 2016-03-04 18:54:38
- 0
- 1397
الدين الإسلامي هو سبب قوة المسلمين؛ لذلك كان انحسارها لما تغيرت نفوسهم، فيجب على المسلمين أن يدعوا إلى دينهم، وأن يكون هو همهم الأكبر، مع إزالة شبه الكافرين عنه، عبر الدراسات المتخصصة والمراكز المتنوعة.
-
سبب الرسالة المحمدية
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعـــد:
فإن الله تبارك وتعالى أرسل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا العالم الذي كان يموج بالجهالات، والضلالات، والفتن، والبدع، والخرافات، والظلم، واستعباد البشر، والطغيان الذي بلغ ذروته عند بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله الله ليقول للعالم : إن هذا الدين جاء لينسخ ما قبله، وأنه للناس كافة، كما قال تعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ))[الأنبياء:107]، وقال تعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً))[سبأ:28].
وليقول لهم: إن الظلم والبغي والعدوان والطغيان وعبودية البشر من الأباطرة والملوك والأحبار والرهبان فكل ذلك قد انقضى زمانه، وولَّى على عقبيه بظهور شمس الهدى والتوحيد، وأعلنها صريحةً للعالم كله، أنه {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله}.
أرسله الله تبارك وتعالى ليُحرر البشر من الأغلال التي رانت عليهم، ومن الشهوات التي أبعدتهم عن الله، وأنستهم اليوم الآخر، ومن الضلالات والدجل الذي تعوده قطاع الطريق إلى الله، فإذا أرادت الأمم والشعوب أن تهتدي إلى الله جاء قطاع الطريق ليقطعوا عليهم ذلك وليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم، فجاء مُحطِّم الطواغيت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلم الناس -جميعاً- أنه لا كرامة للإنسان إلا بالإسلام، وأنه لا خير ولا حرية ولا فلاح للبشرية إلا بالإسلام، وأن كل دين قبله باطل؛ لأن الله تعالى يقول: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ))[آل عمران:19].
بعثه الله في هذه الأرض التي اختارها واصطفاها منذ أن أرسل إبراهيم عليه السلام وأمره ببناء هذا البيت العتيق، لتكون هذه الأرض مهوىً للأفئدة، مهبطاً للخير والحق، ومنبعاً للنور، ومشرقاً له في أنحاء العالم والمعمورة جميعاً. -
هذا الدين
شاء الله عز وجل أن يُحدث احتكاك وصراع بين هذه الحضارة وبين هذا الدين في كل أنحاء العالم، وهذا الدين بفضل الله ومنته هو الحق، إذ كلما غزاه الأعداء قوى واشتد ودخل إلى قلوبهم، جاء أجدادهم الصليبيون وغزوا العالم الإسلامي، وبقي منهم الكثير في بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها مؤمنين بهذا الدين، ومن عاد منهم إلى أوروبا عاد وقد حمل قبساً من حضارة الإسلام، وجاء التتار واجتاحوا العالم الإسلامي، ثم كانت النتيجة أن دخلوا في دين الله أفواجاً، وهم إلى الآن من جملة المسلمين.
وفي هذه المرة نرجو الله تبارك وتعالى أن تعود الكرَّة، وأن يغزو هذا الدين قلوبهم، لأنه الحق، وفطرة الله التي فطر الناس عليها وأن يغزوَ قلوب العالمين أجمعين.-
وجوب الدعوة إلى الله
هذه الخاصية العجيبة لهذا الدين -وهو أنه يغزو القلوب- لا تعنينا، ولا تعفينا من أن نقوم بواجبنا في نشره والدعوة إليه، والله تبارك وتعالى لو شاء لآمن الناس كلهم جميعاً، ولكنه ابتعث محمداً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرَ خلقه وأفضلهم وأكرمهم على الله- ابتعثه وعانى ما عانى في بدر وأحد والأحزاب، وتبوك، وغيرها لكي يقام هذا الدين وينتشر.
فإذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك فنحن أتباعه ولا بد أن يكون لنا جهد ودور وبذل في نشر هذا الدين، فصاحب المال بماله، وصاحب العلم بعلمه، وصاحب الوجاهة بوجاهته وكلٌّ بقدر ما أهله الله تبارك وتعالى.
فإن الله إنما ميَّزنا وشرَّفنا وفضلنا بهذا الدين، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: [[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]]، فهذه الشعوب التي جاءت إلى هذه البلاد إنما جاءت من أجل الدنيا، لا تحبنا ولا تعظمنا ولا تنظر إلينا إلا بمقدار ما تنال من كسب مادي في بلادنا، أما ما عظمنا الله وشرفنا به على العالم، فهو هذا الدين الذي لا تملكه أية قوة، ولو أن هذا الدين -بخلوده وعظمته وقيمه- يُشترى بالمال، لاشتراه الغرب، ولاشتراه الأمريكان، أو لاشترته أية أمة من الأمم التي تلهث الآن وتبحث عن مبادئ وقيم تعيش عليها. -
نقمة الكافرين علينا هي بسبب هذا الدين
ولكن لما كان هذا الدين من عند الله، ومنعهم الكبر، والحسد، والحقد على هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه من ذرية إسماعيل، واليهود والنصارى حاقدون وناقمون وساخطون على الله عز وجل؛ لأنه لم يبعثه من ذرية إسحاق، فهذه قضية يجب أن نعلمها جميعاً، ولذلك ذكر الله في سورة الجمعة: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ))[الجمعة:2]، فهذه ملة الإسلام.
ثم ذكر بعد ذلك -مثلاً- للذين من قبلنا -اليهود والنصارى ولا سيما اليهود- وضرب مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا، لأنهم لم يقوموا بأمانة الكتاب، فنقل الله تبارك وتعالى النبوة والاصطفاء إلى فرع إسماعيل عليه السلام، فكان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتقلت الأرض المباركة - أرض الأنبياء - من بلاد الشام إلى هذه البلاد الطاهرة المقدسة، ومنذ ذلك الحين والشرق والغرب يحسدوننا على هذا، كما قال تعالى : ((حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)) [البقرة:109].
وذكر الله تبارك وتعالى هذه العداوة وهذا الحسد، وحذَّرنا منه في آيٍ كثيرة، منها قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ))[الممتحنة:1]، وقوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ))[المائدة:51]، وقوله تعالى : ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً))[النساء:101]، ويقول عز وجل: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى))[البقرة:120]، ويقول تعالى : ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217]، ويقول تعالى : ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً))[النساء:89]،ويقول تعالى : ((مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ))[البقرة:105]، إلى آخر الآيات.
فالآيات كثيرة جداً، ولعل المقام يطول بنا لو استطردنا فيها وفي تفسيرها، وكلها تدل على أن هذا العالم الغربي ينقم على هذه الأمة.
وهو الذي دفع بعضهم -بدون استحياء أو تورع- أن ينشر هذا الدين الممسوخ الباطل في بلاد التوحيد، وعلى مسافة قليلة جداً من بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلام ليوحد الله وحده لا شريك له.
فلا بد لنا -ونحن على الدين الحق- من أن ندعو هذه الآلاف المؤلفة الذين هم بين جاحد بوجود الله أو عابدٍ للمسيح عليه السلام الذي جاء ليقول لقومه: ((إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ))[مريم:30]، ((إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ))[آل عمران:51]، فكل هؤلاء أتوا إلى هذه البلاد، ولتقصيرنا وانشغالنا بدنيانا وإهمالنا لديننا، طمع أولئك المنصرون أن ينصروهم في بلادنا! فتجد أن الذي يأتي من كوريا أو تايلاند أو الفلبين إلى هذه البلاد يظل عشر سنوات أو أكثر ولا يحدثه أحدٌ عن الإسلام ولو بكلمة واحدة!
ولكن الأمريكي أو الألماني من الممكن أن يحدثه، عن الإنجيل، والصليب وعن الدين الباطل، الذي لا يجوز أن ينشر في هذه البلاد، ولا في أي مكان في العالم لأن الله تبارك وتعالى أرسل المسيح عليه السلام إلى بني إسرائيل فقط كما قال تعالى: ((وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيل))[آل عمران:49].
وفي الأناجيل الموجودة الآن، أن امرأةً سورية جاءت إلى المسيح عليه السلام، وقالت: ''يا روح الله! اهدني أو علمني، فقال لها المسيح عليه السلام: أيتها المرأة أأنت من بني إسرائيل؟ قالت: لا أنا سورية -الأناجيل تختلف- فقال: إنما بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة'' .
فهو يقول لها: أنا لم أبعث إلى الفينيقيين ولا إلى السوريين فضلاً عن الروم! ولكن هؤلاء وبعد أن حرفوا دينه، وجعلوه ديناً عالمياً ويُستنفرون في نشره ويبذلون المليارات لمئات الجمعيات بل للآلاف من الجمعيات، وللمعاهد والكليات، والمستشفيات، والمطارات، والمنشئات في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن الإذاعات، واستخدام شبكات التلفزيون عن طريق الأقمار الصناعية، كل هذه الجهود لنشر هذا الدين الباطل المحرف، الذي لم يجعله الله تبارك وتعالى ديناً للعالمين في الأصل.
ونحن -مع الأسف الشديد، أقولها بكل ألم ومرارة- لم نفعل مثلهم إلا بعض الجهود المباركة -التي سيعزها الله تعالى، لأنه قد تأذن أن يعز من أعز دينه. -
الاهتمام بالدعوة لهذا الدين
إنَّ الواجب علينا أن تكون مراكزنا مناراتٍ عليا في كل بقاع العالم، ونحن أولى بـاليابان وبـكوريا وبغيرها من المنصرين الغربيين، نحن أولى بـالهند، أن تكون كلها مسلمة، تستضيء بنور التوحيد والإيمان، وهذه صفة هذه الأمة، كما قال الله عنها: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))[آل عمران:110]، ولكنا لما تخاذلنا ووصلنا إلى الصفر، غُزينا في عقر دارنا، وقد قال علي رضي الله تعالى عنه: [[ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا]] وهذا من الذل والهوان، إننا نحتاج إلى جهد جماعي إلى جانب الجهود الفردية، نحتاج إلى الإخلاص، وإلى القلوب الصادقة، إلى التضحية ولو بدرهم ولو بساعة من الوقت لوجهه الكريم وهو الذي يبارك هذه الجهود.
ولا شك أن الأمة -في مجموعها- قصرت في هذا الواجب العظيم -الجهاد والدعوة- فاحتجنا إلى أن نأتي بمثل هذه الحلول المؤقتة لأن الأصل أن لا يدخل في جزيرة العرب كافر على الإطلاق، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلاهم وأخرجهم وما بقي إلا قلة من يهود خيبر ونصارى نجران، فأوصى عند موته بأن يخرجوا مع أنهم من أهل هذه الجزيرة وسكانها، وقال: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} فأجلاهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يبق فيها إلا مسلم.
حتى إن عمر رضي الله تعالى عنه لما احتاج المسلمون إلى بعض بضائع الروم والقبط وغيرها، جعل لهم ثلاثة أيام يأتون بظاهر الحرة في المدينة، بعيداً عن الحرم، ويبيعون لمدة ثلاثة أيام ثم يرحلون ولا يعطون إقامةً دائمة في هذه الجزيرة؛ لأنها جزيرة الإسلام والتوحيد.
فنحن تهاونا بإدخالهم، ثم تهاونا في دعوتهم، ثم أصبحنا في بلد الإسلام نشكو أن مدراء بعض الشركات والمصانع غير مسلمين! وما أوصلنا إلى ذلك إلا ذلنا وضعفنا وهواننا وتخاذلنا - مع الأسف الشديد - وإلا فهؤلاء كان الواجب أن لا يدخلوا أصلاً، فإن دخلوا للضرورة، فبذلة ومسكنة لا أن يتحكموا في نشر دينهم، أو أن يسيطروا على وسائل إعلامية عظيمة جداً، حتى إن الإذاعات باللغة العربية تذيع وتبث على المنطقة في الصباح وأحياناً في المساء رسالة يقرءونها من رجل يقولون: إنه كان طالباً في المدينة، وتعلم فيها ثم انتقل إلى مكة، ثم بعد ذلك تبين له أن هذا الدين باطل -يعني: دين الإسلام- ثم راسل جمعيته وأرسلوا إليه الكتاب المقدس، ثم اهتدى للدين الصحيح، -يعني النصرانية- فيبثون هذا علينا، وغيره من الأباطيل.
فلا بد علينا من أن نستفيد من هذه الهمم والجهود، ولا بد علينا من إنشاء المراكز الإدارية التي تدعو للخير، وعلى أصحاب المصانع أمانةٌ كبرى في مقاومة الشر، ونشر الخير بين المؤمنين، فالمسلم يحتاج إلى أن يُعلَّم دينه، لأنه قد يأتي وفيه بعض العادات السيئة والأخلاق الذميمة فيعلم وإلا فلا يصلح أن يأتي إلى هذه البلاد!
فالكافر من باب أولى، بل هناك نصوص في تحريم دخولهم، فإذا كان دخولهم مفروض علينا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن لا بد أن نُذكِّر بالأصل.
وأن الواجب علينا أن نبذل جهدنا بدعوتهم، وأن نتعاون -جميعاً- في ذلك، وأن نفتح مراكز في شركاتنا ومصانعنا للدعوة إلى الإسلام، وأن نستفيد ممن يجيد التكلم بأكثر من لغة، والحمد لله يوجد في جامعة أم القرى مدرسون وطلاب يجيدون لغات عدة وهم من أكثر من أربعين دولة منهم الإخوة الذين أسلموا حديثاً. -
مثال لقوة تأثير هذا الدين في الأشخاص
كان رجلاً يتقاضى شهرياً ما يقارب خمسة وعشرين ألف ريال، مع سكن وسيارة وتهيئة كاملة، كل ذلك ليصبح قسيساً كبيراً في بلادهم -في إحدى جمهوريات إفريقيا الوسطى زائير- ثم شاء الله تبارك وتعالى أن يذهب إلى روما، ليتمكن في الدين أكثر وأكثر، لكنه اكتشف أن الدين الذي هو عليه كذب، وأنها مؤامرات كما ذكر الله تبارك وتعالى ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ))[آل عمران:71]، مؤامرات ضد الإسلام! فرأى أن الكل يعلمون أن الدين الإسلامي هو الحق، وكلهم يعرض عن فكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا ناقشهم فيه وفيما جاء في الكتب عنه يعرضون ويتعجب، حتى اطلع بنفسه على المكتبة القديمة، ووجد الأناجيل القديمة، تصرح بذكر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الله تعالى سيبعثه من أرضٍ ذات نخلٍ بين حرتين، وأن صفته كذا ولونه كذا، وخاتم النبوة بين كتفيه، وأشياء عجيبة جداً، فما ملك إلا أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله في الفاتيكان! ثم جاء إلى هذه البلاد، ويريد أن يتعلم اللغة العربية وهو يعطى الآن مكافأة خمسمائة ريال.
لكن الكنيسة لم تتركه، بل أرادت أن تفتنه في دينه بمقارنة حالته الأولى وما كان عليه من النعيم والأموال وحاله بعد دخول الإسلام، لكنه ثابت مقتنع.
فهذا عرف الحق لما رأى الدلائل عليه، وما لتلك الدلائل من قوة فقد ثبت على هذا الدين. -
من أجل دعم هذا الدين
وللحاجة الشديدة العظيمة للناس بمعرفة الحق، ولمعرفة صدق نبوة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأينا أن الواجب علينا أن نسهم بنشر كتابٍ يقضي على شبهات أعداء الله وأعداء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -من أهل الكتاب- قضاءً مبرما، وجواباً محكماً، وهو كتاب شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وهو أربعة أجزاء، وقد يصل إلى ثمانية مع الشرح والتعليق، لأننا لا بد أن نتعرض للنصرانية بعد شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وحالها المعاصر، وفرقها وما إلى ذلك، فهو عمل ضخم جداً ونريد أن نفرغ له مترجمين يترجمونه إلى كل لغات العالم، إذ لا تكفينا لغة ولا لغتان ولا عشر، لأنههم ترجموا الإنجيل إلى ألف ومائتي لغة، فهو عمل يستقطع من الجهود، والنفقات، والتكاليف، والأعباء الشيء الكثير،فإذا أخذنا نموذجاً واحداً فقط وهو ترجمته إلى اللغة الإنجليزية بعدد لا يقل عن خمسمائة ألف نسخة؛ لأن لدينا أكثر من عشرة آلاف جامعة وكلية في أمريكا وأوروبا، يجب أن يصل إليها الكتاب مجاناً، ولا يقل عن نسختين أو ثلاث لكل منها، فإن المبلغ قد يصل إلى ثلاثين مليوناً! وهذه للغة واحدة فكيف ببقية اللغات؟.
فهذه جهود تحتاج إلى عمل، وتضحيات وبذل، وهذا دين الله، وهذه أمانتنا، ويجب أن نضع هذه الأمة أمام مسئوليتها سواءً كانت حكومات أم شعوباً، أم شركات، أم مؤسسات، أم عمالاً، بل أي إنسان مسلم ينبغي أن نقول له: هذا دينك، إما أن تقوم بنشره وبدعمه وبكل ما تستطيع، وإلا فاعلم أنك أخللت بواجبٍ عظيم!
إننا لم نخلق لنجمع المال ونشرب الشراب ونطعم الطعام ونترفه كما نشاء، خلقنا لأمر أعظم من هذا كله، فهذه وسائل نعيش بها، لكن خلقنا لنكون داعين إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))[يوسف:108].
فلا يحقرن أحد منا جهده، لا بد أن نتعاون جميعاً، وأن نبدأ بالعمل، -والبدايات دائماً صعبة وشاقة ولكنها بإذن الله هي التي تكسب في النهاية- وهذه الأعمال لها أجر عظيم كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من دعا إلى هدىً فله أجره وأجر من عمل به إلى قيام الساعة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها} نسأل الله العفو والعافية.
فنريد -جميعاً- أن نحيي هذه الأمة، ونوقظ فيها روح الإيمان والتضحية، وأن تعرف عظمة دينها وعظمة رسولها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحس أن واجبها كبير، وأنها هي التي ائتمنها الله على هذا العالم بقوله عز وجل: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))[آل عمران:110]، وقوله تعالى : ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً))[البقرة:143]. -
إشعال حماسة الدين في الناس جميعاً
فلا بد أن نجعل المرأة العجوز، والشيخ الكبير، والغلام الصغير، وكل إنسان في المجتمع يشعر بواجبه كما شعر أجدادنا بواجبهم من قبل،وقبورهم شاهدة عليهم، فهذا أبو أيوب الأنصاري في القسطنطينية، وبعضهم في بلاط الشهداء في فرنسا، وبعضهم في خراسان، فهم خرجوا بأموالهم وأنفسهم يدعون إلى الله، وينشرون هذا الدين، فأعزهم الله وأظهرهم وأورثهم الأرض، وهذا فضل الله القائل: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ))[الأنبياء:105].
فلو أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أرادوا أن يسابقوا الروم أو الفرس في الحضارة والصناعة والتقدم متى يلحقوا بهم؟ لكنهم أتوا من أقصر الطرق، من باب الهداية، فلما أتوهم من هذا الباب أورثهم الله حضارة أولئك القوم، وجاء ملوك الروم والفرس مصفدين في الأغلال مقيدين إلى مائدة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيداً لهؤلاء القوم، لما قالوا: لا إله إلا الله بحق وبيقين، ولما آثروا الآخرة على الدنيا، جاءتهم الدنيا راغمة، حتى كان الرجل يخرج بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.
وقد وقع ذلك في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، لكنا لما أردنا الدنيا، ما استطعنا أن ننافس أمريكا اليوم، أو حتى ولاية من ولاياتها حتى ما عندنا من مصانع وأشياء.
ففي الغالب أن كثيراً منها قد استورد استيراداً منهم! فنحن نسابق بطريق طويل، ولدينا طريق أسهل وأقل تكلفة، ولكنه أعز وأشرف وأعظم وهو اللائق بهذه البلاد.
لا نقول: أقفلوا المصانع، ولا تأخذوا من الحضارة المادية شيئاً، بل نحن أولى بها، لكن يجب أن نعلم الحكمة من خلقنا، ويجب أن تسخر هذه الجهود وهذه الإمكانيات لخدمة ديننا، ولا نقدم عليه شيئاً، فإذا تعارضت دنيانا مع الدين فإننا نقدم الدين، فالأصل الدين؛ والدنيا تبع له، فإذا كنا كذلك فإن الله لن يضيعنا، ولن يخيبنا، فسوف ننال السعادة والراحة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، وأما من أعرض عن هذا الطريق، فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا عنهم فقال: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا ً)[طه:124]، والله إنهم ليعيشونَّ المعيشة الضنك من الجرائم، والمخدرات، والانهيارات، والدمار الخلقي، وما لا يدخل تحت الحصر من سوء الحياة والمعيشة.
ثم لنا عليهم الفضل عند الله في الجنة، -وهي أعظم شيء- فالجنة هي الثمرة التي بايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الأنصار ليلة العقبة عنها، قالوا: وما لنا يا رسول الله؟ قال : لكم الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل، ولا نستقيل، في الجنة موضع سوط أحدنا -كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرٌ من الدنيا وما فيها، وخير مما طلعت عليه الشمس.
نحن الآن نتنافس ونتسابق على مساحة من الأرض قد تكون مائة ألف متر، أو مليون متر، لكن موضع السوط الذي هو خير من الدنيا وما فيها قليل من يتنافس من أجله، نحن الآن نتنافس على المشروعات التي تنتج بعد سنة ربح (20%)، أو (30%) لكن الجنة التي أخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها أنها قيعان وغراسها ذكر الله، فإذا قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كان لك بكل كلمة من هذه الكلمات غرس نخلة أو شجرة في الجنة مثمرة، وليس كزرع الدنيا مع قلة من يشمر لها.
ولذلك يقول الله - تبارك وتعالى -: ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))[الكهف:46]، فالمال، والمؤسسات، والشركات، والثروات زينة الحياة الدنيا.
ثم يقول: ((وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاًً))[الكهف:46]، جاء في الحديث تفسير لمعنى الباقيات الصالحات أنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهي خير من الملك، والوزارات، والشركات، وخير من الثروات، ولا تتعارض معها، لكن اجعل مع هذا المال الذكر كما أوصى الله تبارك وتعالى وبيَّن في وصية العباد الصالحين الذين نصحوا قارون فقال تعالى : ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ))[القصص:77]، هكذا ينبغي أن يكون الإنسان المسلم في ماله.
وبين في آية أخرى، فقال: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)) [الأعراف:32]، فالله تعالى لم يُحرمها على عباده المؤمنين، لكن يجب أن نسخرها لخدمة الخير والحق.
-