الجنادرية «ثقافية» أولاً
on- 2016-02-02 13:17:02
- 0
- 1077
إن الأصل في الوعي التراثي هو أصل ثقافي، وذلك يمثّل كما لو أن الماضي والحاضر يقفان على خط الحضارة الإنسانية المستمدة من الذاكرة السابقة والخبرة الراهنة، وهذا يشبه القول ان التراث الثقافي القائم على الصروح الأثرية والمعالم المادية هو نفسه القائم على الحكايات والفنون الشعبية والمخطوطات والحليّ والمخيّلة العفوية وكل ما قصّته علينا الطبيعة أو دفنته لنا أمنا الأرض.. مقياس الحضارة لأي أمة ليس في أصلها التاريخي وإنما بالمكتسبات التي تكوّن إطارها الثقافي الممتد على مر الزمن، غير أن هذا الإطار الثقافي – والذي يكوّن الهوية – لم يفقد الثقة بالمؤسسات الوطنية التي تعاملت مع هذا الحد المكتسب من الفنون والمفاهيم من خلال التواصل المعرفي المعتمِد على الفعاليات الموسمية.
نقول فعاليات موسمية وهي إن أصدقنا التعبير فعاليات متعددة في موسم واحد، تنشيط عدد من الحركات الثقافية في مدة زمنية متقاربة (الجنادرية ثم معرض الكتاب) قد يصل بنا إلى تبرير محتمل لضعف الإقبال الجماهيري لفعاليات الجنادرية بالمقارنة مع دوراته الأولى، احتمال ضئيل صحيح؟ إذاً هل يشعر مرتادو المكان أن المفاهيم التراثية المقدمة –ضمن برامج الفعاليات– ناقصة وباهتة؟ إذ لم تتعامل مع المستوى الاجتماعي والسياسي (بتطلعاته وإشكالياته السالفة والمعاصرة)، ولكن عادت إلى النهج التقليدي المكرر في إبراز الإرث التاريخي الكبير.
ربما لم تعد المهرجانات الثقافية تعبر عن نفسها، وإنما تعبر عن هيمنة قامات ثقافية معتادة، ذلك أن الثقافة تحتمل اكتساب معرفة جديدة، اسما أدبيا جديدا لا يصيب التوقعات، نصا شعريا جديدا يثير الدهشة، كان ذلك ليكون لو عُدّلت قائمة اختيار المثقفين أنفسهم والمعتمدة أسماؤهم في أغلب المحافل الأدبية (الحوارية والشعرية على وجه التحديد) ربما سيمنح ذلك تبريراً محتملا لغياب كثير من المثقفين عن فعاليات المهرجان إما اعتراضاً على نمطيته أو أنه هو لا يكلف نفسه عبء الحضور طالما لا يمتلك شيئا ليقدمه، هذه التظاهرة الوطنية الضخمة بفعالياتها ومكوناتها الشعبية والذي يطلق عليها المثقفون (بالعرس الثقافي) هل تقاس معايير نجاحها بعدد الإقبال الجماهيري والنخبوي أم بمواضيع النشاطات الفكرية؟ إذا ما أسبقنا جملة التساؤلات هذه باتفاق عام على أن أي نجاح ثقافي يستند على القيمة المعرفية المضافة حقيقة.
هل ثمة لجان مكلّفة بتقييم فعاليات الجنادرية استناداً على توصيات مطروحة في دوراتها السابقة؟ لا نحتاج النظر بعين واسعة لنعرف الرد، نحتاج أن نتساءل مرة أخرى، هل تم التعاطي أصلاً مع الأطروحات الفائتة كمقترحات يُكترث لها؟ وفي سياق التساؤل ذاته هل أسفر عن هذه التظاهرة الثقافية أي حراك ثقافي أو معرفي جديد؟ هل طوّرت لونا شعبيا مثلاً؟ أقامت مركزا للتاريخ واللغة والحضارة؟ انتصرت للمسرح السعودي بإشراكها ضمن السلالة الثقافية ذات الاهتمام الإعلامي الأخاذ، مهمة ثقافية صعبة بلا ريب يواجهها القائمون على المهرجان أمام تاريخ زمني قيّم بأحداثه وبطولاته وانتصاراته وتراكماته الحضارية والإنسانية، تستدعي وجود منظمين لديهم مواقفهم المعرفية والفكرية في المشهد الثقافي –لا نمذجة الماضي بالتراث فحسب– حتى لا يفقد الصوت صداه.