أحمد الكاظمي.. أحد أبرز علماء ورواد الحركة العلمية في القرن الماضي
on- 2016-01-22 11:19:27
- 0
- 2506
سيرة رجال وقفوا مخلصين خلف منجز «عبدالعزيز» وأبنائه.. وتاريخ يروى لجيل اليوم حفاظاً على وحدة وطنهم واستقراره.
زخرت مكة المكرمة -حرسها الله- في القرن الهجري المنصرم -ومازالت- بالعلماء والمشايخ وطلبة العلم الذين يؤمون قبلة الإسلام لأداء مناسك الحج والعمرة، والنهل من فيض العلوم الشرعية في أروقة وساحات المسجد الحرام، الذي تتوزع بين ساحاته وباحاته وجنباته حلق العلم والتعلم في الشريعة السمحاء والسنة النبوية المطهرة وعلوم اللغة العربية والأدب والتاريخ الإسلامي، وكم كان التنوع والتجانس بين الأساتذة وطلابهم متوائماً ومتسقاً ومتجانساً مع مضامين هذه الدروس العلمية التي خرجت للأمة وللمملكة جيلاً من الأساطين والرواد الذين حملوا على عاتقهم -بعد توفيق الله- نشر التعليم في المملكة وبناء المؤسسات والمعاهد وحتى الجامعات السعودية التي حفظت ومازالت تحفظ في ذاكرتها الاجتماعية والرسمية أعمال وجهود هؤلاء الرواد الأوائل الذين كان من بينهم الأستاذ والمربي الفاضل أحمد بن علي بن أسد الله بن علي بن أحمد بن علي الكاظمي، أحد أبرز علماء ورواد الحركة العلمية في المملكة العربية السعودية إبان القرن الهجري المنصرم.
النشأة
ولد الشيخ أحمد بن علي الكاظمي عام 1225ه في مكة المكرمة، حيث نشأ بجوار المسجد الحرام ودرس مع أخويه محمد وعبدالحميد بالمدرسة الصولتية بمكة لمكرمة عام 1333ه، وعند نشوب الحرب العالمية الأولى وقيام الشريف حسين -رحمه الله- بالثورة ضد جمعية الاتحاد والترقي التي هيمنت على سدة الحكم في اسطنبول ودعت إلى تتريك العرب وسط تجاذبات وصراعات سياسية تسببت في إغلاق الكثير من المدارس لا سيما في مكة المكرمة إضافة إلى موجة الكساد التي واجهت كثير من التجار آنذاك ما قلل وبشكل كبير دعم المدارس الأهلية والخاصة التي كانت تقوم على دعم كبار رجال الأعمال، كل هذه الظروف ساهمت في انتشار ظاهرة التدريس في المنازل بل وزادت من عدد الطلاب الذين يؤمون الحرم المكي بغية الجمع بين العبادة وطلب العلم، ولذا فقد عكف الطالب أحمد الكاظمي وإخوته عند والدهم ينهلون من معين علمه وفيض ثقافته المتعددة المشارب، وذلك من خلال محاضراته المنزلية حيث درسوا على يد والدهم -رحمه الله- القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ اللغة الفارسية والخط الفارسي، كما التحق الشيخ أحمد بالشيخ المحدث مظهر حسين -رحمه الله- الذي كان ينزل مكة آنذاك مجاوراً للبيت العتيق حيث درس على يده علوم الحديث ومبادئ النحو والصرف، وقد استعان والده لتقويته وإخوانه في الثقافة بشكل عام بجريدة القبلة وجريدة الفلاح فكان يشتري هاتين الجريدتين أسبوعيا ويطلب منه ومن إخوته قراءتهما ومن ثم يطالبهم بتلخيص ما ورد في هذه الصحف من الأخبار الداخلية والأخبار الدولية كما يطالبهم بالتعليق عليها وتحليلها، كما يعتبر الشاعر الحجازي عبد المحسن الصحاف-رحمه الله- أستاذا له ولإخوانه فقد كان صديقا لوالده وكان مرجعه فيما يصعب عليهم في علوم اللغة والمسائل الأدبية واللغوية، فكان -رحمه الله- يشرح لهم الدروس ويعلمهم ما يشكل عليهم، كما درس الكاظمي على يد فقهاء وشيوخ مكة المكرمة والحرم الشريف وتلقى جوامع العلوم من كبار العلماء الذين يؤمون المسجد الحرام.
مشواره العلمي
ما أن حل عام 1344ه إلا والتحق الشيخ أحمد الكاظمي بالمعهد الإسلامي السعودي حديث النشأة، فدرس به سنة كاملة قبل إغلاقه ليلتحق بعدها - إي في عام 1345ه- بالمدرسة الابتدائية بالمسعى وذلك استجابة منه لنصيحة مدير المعهد حينذاك الشيخ بهجت البيطار -رحمه الله- حيث كانت المدرسة الحكومية الأولى في مكة المكرمة، ومع عودة نشاط المعهد الإسلامي عام 1347ه سارع بالانضمام إلى طلابه إلى أن تخرج منه عام 1349ه مع أول دفعة من خريجي هذا المعهد، ما أهله لتولي مهمة التدريس، وإلقاء المحاضرات مبدئياً بعد إجازته من قبل عدد من الأساتذة.
وعلى الرغم من رغبة الشيخ بمواصلته طلب العلم إلا أنه استجاب لمقترح الأستاذ أمين فودة -رحمه الله- وبدأ التدريس بالمدرسة الابتدائية بالمسعى، كمدرس مستجد تحت التجربة، منتهزاً فرصة فراغه لإكمال دراسته بحلقات الحرم المكي الشريف، ومواصلة بعض العلوم العصرية كعلوم اللغة الإنجليزية وعلوم الجبر والهندسة والرياضيات كل مادة يدرسها على أحد أساتذتها في مكة، حيث غالباً ما يزورهم في منازلهم وبيوتهم.
أساتذته
لازم الشيخ خلال تدريسه بالمدرسة الابتدائية عددا من العلماء والمشائخ والفقهاء الذين يتزاحم طلاب العلم على دروسهم وحلقاتهم كالشيخ عبدالظاهر أبو السمح، والشيخ محمد عبدالرزاق حمزة ، والشيخ بهجت البيطار، والشيخ محمد علي التركي، والشيخ محمد حامد الفقي والشيخ عبيد الله السندي والشيخ محمد الفرائضي.
وبعد ما يقارب من سنة تم تعيينه من قبل مديرية المعارف مدرساً بالمدينة المنورة ثم أستاذاً بمدرسة (حارة الباب التحضيرية) بمكة المكرمة، وفي عام 1351ه انتقل إلى وظيفة مدير مدرسة المعابدة التحضيرية ( المحمدية فيما بعد) ، وفي صيف 1355ه انتدبته مديرية المعارف للعمل مديراً للمدرسة الفيصلية بمكة المكرمة ، وفي نهاية عام 1355ه انتدب أيضاً إلى المدرسة العزيزية الابتدائية لتدريس اللغة الإنجليزية لعدم وجود أستاذ بها.
مدرسة الأنجال
في عام 1356ه تم تعيينه أستاذاً بمدرسة الأمراء (أنجال الملك عبدالعزيز) وكان ذلك بترشيح من رفيق دربه الشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط - رحمه الله – مدير مدرسة الأمراء حينذاك، وقد كتب الشيخان (الكاظمي وخياط) مذكراتهما ويومياتهما -كل على حدة- في وصف هذه المرحلة، وإلى عام 1356ه حيث تمت ترقية الشيخ إلى وظيفة معاون مدير مدرسة الأمراء ما يقرب من ( 18 عاماً )، وفي عام 1357ه تزوج الشيخ من فاطمة ابنة العلامة الجليل الشيخ محمد بن عبدالرزاق حمزة -رحمه الله- إمام وخطيب الحرم المكي الشريف المتوفى عام 1392ه - وله منها ولدان وست من البنات.
في عام 1373ه انتقل الشيخ إلى وزارة المعارف على وظيفة مفتش فني بدرجة (أ)، ثم انتقل بعد عام واحد للعمل بإدارة الترجمة بالوزارة ثم كلف مع عمله في إدارة الترجمة بإدارة مدرسة اللغة الإنجليزية الليلية بمكة المكرمة كما كان يدرس اللغة بمكة، إلى عام 1376ه حيث صدر قراراً بتعيينه مساعداً لمدير كلية المعلمين التي كان يديرها آنذاك الشيخ عبدالله الساسي -رحمه الله- إلى عام 1377ه حيث عين عميداً لكلية الشريعة بمكة المكرمة.
ظل الشيخ أحمد علي عميداً لكلية الشريعة حتى عام 1385ه إلى أن انتقل إلى وظيفة كبير المفتشين بوزارة المعارف ثم أحيل إلى التقاعد في 1/7/1388ه، بيد أن قراراً صدر من مجلس الوزراء عام 1388ه يقضي بتمديد خدماته مدة خمس سنوات وعليه فقد تم التعاقد معه في ذات الوزارة ليستمر في عمله، إلى أن طُلب في عام 1396ه من قبل معالي وزير التعليم العالي الشيخ حسن ابن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله- للعمل بوزارة التعليم العالي وذلك عن طريق ندب خدماته من وزارة المعارف إلى وزارة التعليم العالي للعمل بجامعة الملك عبدالعزيز فرع الجامعة بمكة المكرمة (جامعة أم القرى حالياً) في مجال البحوث والتأليف وأن يكون متفرغاً لذلك فقط، إلى أن استكملت إجراءات نقل خدماته إلى وزارة التعليم العالي عام 1397ه فاستقر عمله مستشاراً في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي التابع لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية آنذاك.
وفي عام 1399ه نقل من وظيفة مستشار بمركز البحوث بكلية الشريعة بمكة إلى وضيفة مستشار لجامعة الملك عبدالعزيز فرع الجامعة بمكة المكرمة واستمر عمله كمستشار للجامعة حتى عام 1402ه.
موروث علمي
علاوة على الجهود العلمية والمحاضرات والدروس التي كان الشيخ أحمد يلقيها لطلابه وتلاميذه في كل من مكة المكرمة والرياض، فقد تميز الشيخ الكاظمي بحضوره الأدبي والثقافي، وذلك من خلال كتاباته المتعددة في صحف كصوت الحجاز وقريش وعرفات والبلاد السعودية وغيرها من الصحف لاسيما في المنطقة الغربية كصحيفة المدينة المنورة والندوة عكاظ وصحف المنطقة الوسطى كالجزيرة واليمامة والرياض، أما المجلات فكان له مقالات ومشاركات علمية في مجلات الرائد والمنهل والحج وكذلك مجلة الخليج، أما في مجال الترجمة فكان يندر آنذاك هذا التخصص لا سيما في الجزيرة العربية التي كان الشيخ الكاظمي أحد كبار المترجمين فيها لاسيما بعد أن ترجم كتاب (البلاد السعودية) للمستشرق (توتشل) من الإنجليزية إلى العربية وقد نشر على شكل حلقات في مجلة المنهل، كما ترجم كتاب (حكام مكة) للمستشرق (ديجوري) ونشر أيضاً في مجلة الحج، كما نشر ترجم ل (ديجوري) كتاب آخر عن البلاد العربية السعودية وقبيلة عنزة العربية تم نشره في صحيفة اليمامة، وكان الشيخ - رحمه الله- قد ترك علاوة على ذلك كتابه (تاريخ عن آل سعود) وكتاب (ذكريات)، وكتاب (رحلة إلى الغرب) أما كتاب (رحلة إلى الشرق) فما زال ينتظر طريقه للطباعة، كما يبدو أن الشيخ كان مهتماً بعلم تحقيق الكتب والموروثات العلمية حيث له مبحث عن تحقيق المخطوطات شاركه به صديقه الأديب الأستاذ محمد سعد العامودي – رحمه الله – وكان ذلك عن طريق مخطوطة الشيخ عبدالله مرداد الخير – رحمه الله – المعنونة ب (نشر النور الزاهر).
كان للشيخ -رحمه الله- مكتبة ضخمة احتوت على ما يزيد على 8 آلاف كتاب ودورية وقد خصص لها -رحمه الله - ملحقا خاصا بمنزله بمكة المكرمة، وسعى أبناؤه وأحفاده من بعده على نشر الفائدة من هذا الموروث العلمي الضخم ولمعرفتهم بحرص والدهم -رحمه الله- على نشر العلم فقد سعى الأبناء بمبادرة منهم لإهداء ما يقارب من (6884 كتابا) و (2578) و(20) مجلد لبعض الدوريات والمجلات الثقافية المتنوعة إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة في أواخر شهر محرم عام 1416ه، بعد أن تم إعادة تأهيل المكتبة بالكامل وصيانتها وحفظ المتهالك والتالف والمكرر.
وفاته
توفي الشيخ أحمد علي الكاظمي بين أبنائه وأهله وأقاربه وذلك بعد صلاة العشاء من يوم الأحد 28/5/1413ه بمكة المكرمة وقد بلغ من العمر (88) عاماً وصلي عليه صلاة الميت بعد صلاة الفجر الاثنين 29 /5/1413ه بالمسجد الحرام ثم ووري جثمانه الثرى بمقابر المعلاه بمكة المكرمة، ولعل زميله وصديقه معالي د. راشد الراجح الشريف قد اختزل لنا سيرة الشيخ الفقيد في كلمته التأبينية إبان العزاء في وفاته -رحمه الله- حيث قال عنه: كان الفقيد -يرحمه الله- على جانب كبير من الأدب الجم والتواضع وصفاء النفس وحب الخير للجميع وهو الشخص الذي قيل عنه أنه قدم إلى ربه ولم يؤذ أحد من خلق الله، وقد شهد بهذه الخصال التي كان يتمتع بها الشيخ أحمد -رحمه الله- عدد كبيراً من معاصريه ومحبيه وزملائه، رحمه عاماً رحمه الله رحمة واسعة.
الشيخ أحمد الكاظمي مع الشيخ عبدالله خياط