سلسلة مبادرة لا نهضة إلا بالصناعة 25 "لماذا قصر النظر والفهم"
- بقلم أ.د.محمد أحمد بصنوي
- 22/10/2018
تحدثت في مقالة «لماذا نعيد اختراع العجلة؟» عن سوء التخطيط نتيجة التوسع في إنشاء المولات، في حين أن العالم يتجه لإنشاء مواقع للتجارة الالكترونية. وفي هذه المقالة سأستكمل هذا بشيء من التفصيل، لكن من جوانب أخرى.
إن الاستثمار في العقار بشكل عام، وفي المراكز التجارية «المولات» بشكل خاص، يساهم في حل جزئي لمشكلة البطالة في العديد من الدول، إلا أن هذا الوضع لا ينطبق على بلادنا، لأن أغلب العاملين في هذا القطاع والمولات ليسوا من المواطنين. صحيح أن الاستثمار في العقار مهم، لكن هناك من يسيء فهم هذا الطرح، ويعتقد أن هذا القطاع يفترض أن نعطيه الأولوية دون غيره من القطاعات. وهذا غير صحيح على وجه الإطلاق.
أما المراكز التجارية «المولات» فهي عبارة عن وعاء كبير لامتصاص سيولة المواطنين وتحويلها خارج البلاد، لأن هذه المراكز تعتمد على المنتجات المستوردة، أو تلك التي تصنع محليا بمدخلات معظمها مستورد من الخارج. إن هذه المراكز أدت لظهور مرض لم نكن نسمع عنه من قبل، ألا وهو «إدمان التسوق»، وهذا يرجع إلى تجميع العديد من العلامات التجارية (الماركات) والمنتجات في مكان واحد، وبالتالي استقطاع جانب أكبر من دخل المواطن. وتشير بعض الدراسات إلى أن معظم المواطنين ينفقون مداخيلهم ولا يدخرون منها، بل يوجد عجز في دخل الأسرة يصل إلى 1750 ريالا (467 دولارا) شهريا، فيما 45 دولة ليس بينها المملكة تبنت «ثقافة الادخار».
ولك أن تعلم أن المواطنين ينفقون معظم أموالهم على العقار(الإيجار) والسلع الاستهلاكية، بل الأكثر من ذلك أنهم يقترضون من أجل شراء سلع استهلاكية.
وقدر إجمالي القروض التي حصل عليها المواطنون من أجل شراء سلع استهلاكية بأكثر من 94 مليار دولار بنهاية 2016 (تقترب من ربع إجمالي القروض)، فيما القروض العقارية من البنوك للأفراد تتجاوز 29 مليار دولار بنهاية الفترة نفسها، وفقا لبدر الجارد مدير إدارة الادخار في بنك التنمية الاجتماعي السعودي.
إن ما سبق يؤكد أن خيار الاستثمار في العقار وافتتاح المراكز التجارية ليس الخيار الصحيح، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت انتشار مئات اللوحات التي تعلن عن شقق للإيجار، خلاف أن الكثير من المحلات التجارية الشهيرة تقلل من فروعها المغلقة ضمنا من عدم ارتياد الزبائن، وهذا يرجع إلى نقص السيولة الموجودة في السوق، خاصة مع انخفاض أسعار النفط لما هو أقل من 50 دولارا. إن توجه بعض رجال الأعمال للاستثمار في العقار والمراكز التجارية، في ظل وجود العديد من السلاسل التجارية الشهيرة التي تغلق عددا من فروعها، يدل على وجود حالة من التقليد الأعمى، أو بالأحرى الغباء البين، فمن المعروف أن الأسواق والمحلات التجارية هي أماكن مخصصة لصرف الأموال الزائدة عن الاحتياج الأسري.. كيف هذا التناقض؟
إن الاقتصاد السعودي بحاجة لأخذ خطوة جديدة نحو تطوير الصناعة بما يتناسب مع رؤية»2030» التي تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية ستة أضعاف، من نحو 43.5 مليار دولار سنويا إلى 267 مليار دولار سنويا، كما تهدف إلى زيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% من الناتج المحلي حاليا إلى 50% من الناتج، كيف يتأتى هذا دون التوجه بقوة نحو الصناعة؟ إن التحول من شعب يستورد 90% من احتياجاته لشعب مصدر لن يأتي من بناء العقارات أو المولات لبيع السلع المستورة، ولكن يأتي فقط من خلال الصناعة التي من الممكن أن تستوعب الأموال المهاجرة التي تقدر بـ2.6 تريليون ريال، بحثا عن استثمار حقيقي، وفقا لما نشر في جريدة الرياض، وهذا إن حدث فسيحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني، فلم توصف دولة «ما» بالمتقدمة من خلال بناء العقارات أو المراكز التجارية.
إن مواكبة الدول المتقدمة في الصناعة لن تأتي بين عشية وضحاها، فاليابان على سبيل المثال، اقتصاد.. تعلم، استورد، وقلد إلى أن أصبح مواكبا، ثم منافسا، ثم قائدا مبتكرا في العديد من النواحي، وأصبحت ثالث اقتصاد عالمي، وقدر الناتج المحلي الإجمالي لها بـ4.6 تريليونات دولار(التريليون 1000 مليار أو مليون المليون). أما الاقتصاد الصيني فمعروف عنه أنه يقلد كثيرا ورخيص التكلفة بسبب أنه في الغالب لا يصرف أموالا على الأبحاث للتطوير، ولكنه يقلد السلع الغربية، وهذا أدى إلى إقبال منقطع النظير عليه سواء من الغرب أو الشرق، وأصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، وقدر حجم الناتج المحلي بـ 10.3 تريليونات دولار، فيما يقدر حجم الناتج المحلي لبلادنا أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم بـ746.2 مليار دولار، وفقا لصندوق النقد الدولي عام 2014، أين نحن وأين هم؟ بالتأكيد لا توجد مقارنة.
وأخيرا، فإننا كشعب استوردنا كل ما ينتجه الغرب من سلع أيا كانت، إلا أننا للأسف توقفنا عن استيراد بعض الأشياء المهمة، ألا وهي «ثقافة العمل والإنتاج والجد والاجتهاد واحترام الوقت والالتزام والتطوير»، ورغم ذلك يجب أن نعلم أن عجلة التطور ستدور إذا توقفنا عن إضاعة الوقت وبعض العادات والتقاليد التي تمنعنا من العمل في بعض الوظائف بحجة وضاعتها، فالعمل شرف أيا كان.
لا تتوفر تعليقات بالوقت الحالي