«الدرعية» ملاحم بطولية.. ورمز التأسيس والازدهار

on
  • 2019-11-23 15:36:13
  • 0
  • 968

يزخر تاريخ الدرعية بملاحم بطولية، وماضٍ تليد ضارب بجذوره في عمق التاريخ.. انطلقت منها الدولة السعودية، كضياء شاع وعمّ إشراقه ليغطي شبه الجزيرة العربية. وتمثّل الدرعية منارة للإرث المستمر للأسرة المالكة، ورمزًا للوحدة التي يعيشها السعوديون، إلى جانب دورها التاريخي في تأسيس الاستقرار وجلب الازدهار بمشاركة أبناء البلاد في مختلف أنحائها.

نشأت الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850هـ/‏‏‏ 1446م، حينما قدِم مانع المريدي جد الأسرة الحاكمة إلى المنطقة، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة؛ لتصبح هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة، ومركزًا مهمًا للاستقرار، وفي تلك الفترة لم تكن الأحوال السياسية جيدة في شبه الجزيرة العربية، فقد كانت تعاني الإهمال والتفكك والتناحر وانتشار الجهل والأمية.

 الوحدة العظيمة

وفي عام 1157هـ/‏‏‏ 1744م، تولّى إمارة الدرعية الإمام محمد بن سعود الذي كان يملك حسًا إداريًا جيدًا، ونظرة مستقبلية، فعمل على البدء بالتغيير، معلنًا قيام الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأسرها، حيث وضع لبنة الوحدة العظيمة التي وحّدت معظم أجزائها، تلك الوحدة التي لم تعرفها شبه الجزيرة العربية، بل العرب جميعهم منذ قرون طويلة، وأضحت مصدر فخر واعتزاز لكل العرب والمسلمين، ونتيجة لذلك فقد أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا وثقافيًا.

 اهتمام الدولة

وازدهرت التجارة بشكل كبير؛ ليكون سوق الدرعية أعظم الأسواق في المنطقة، إضافة إلى أن النظام المالي للدولة من أعظم النظم التي عرفتها شبه الجزيرة العربية، وهاجر في ذلك الوقت كثير من العلماء إلى الدرعية للتعليم والتأليف؛ ما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ.

اهتمت الدولة بالدرعية، وأسهمت مساهمة كبيرة في محاربة الجهل والأمية، وشجّعت على التعليم بشكل كبير، وهذا بدوره أدى إلى حنق الدولة العثمانية التي لم تكن لترضى عن هذه الإنجازات، لذلك سخّرت طاقاتها لإسقاط الدولة السعودية، وبعد حروب متواصلة استمرت نحو 7 سنوات، سقطت الدرعية عام 1233هـ/ 1818م، بعد حملة دمار وتخريب واسعة، شنها إبراهيم باشا ظلمًا وعدوانًا على الدرعية ومعظم قرى نجد؛ لتفكيك الوحدة المتأصلة في نفوس أهل الدرعية والمناطق المجاورة لها.

 الإمام تركي

وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى، استطاع الإمام تركي بن عبدالله، بعد نشاط متواصل استمر 7 سنوات أن يطرد الحاميات العثمانية من نجد، ويحرّرها ويطهّرها منهم، ويدخل الرياض عام 1240هـ/ 1824م، مثبتًا أن حملات الدولة العثمانية المتكررة على نجد لم تؤتِ أكلها، فالتفاف الناس بالأسرة المالكة كان صلبًا؛ ليتمكن الإمام تركي بن عبدالله من وضع لبنة جديدة راسخة من لبنات البقاء والثبات.

واستطاع إعادة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قياسية، ضاربًا بذلك أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، واستمرت الدولة السعودية الثانية على الأسس ذاتها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، مركّزة على حفظ الأمن والتعليم والعدل، والقضاء على الفرقة والتناحر، والبدء في العلاقات السياسية مع القوى العظمى بالمنطقة، حيث أثبت قادتها المقدرة الفائقة على التواصل مع الدول، وظلت الدولة السعودية الثانية تحكم المنطقة حتى عام 1309هـ/ 1891م.

وفي الخامس من شهر شوال 1319هـ/ 1902م، تمكّن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود من استرداد الرياض والعودة بأسرته إليها؛ ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، ويضع لبنة أخرى من لبنات الوحدة والاستمرار، والاستقرار تحت راية الأسرة السعودية، وبالتفاف الشعب السعودي، ويُعدّ هذا الحدث التاريخي نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ المنطقة، أدت إلى قيام دولة سعودية حديثة، تمكّنت من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية، وتحقيق منجزات حضارية واسعة في كل المجالات. وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق 23 سبتمبر 1932، أعلن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن قيام المملكة العربية السعودية، بعد ملحمة تاريخية استمرت 30 عامًا، وحكم بعده أبناؤه الملوك الذين كان لهم دور كبير في وضع لبنات البناء والاستقرار والحزم والعزم.

 ملاحم بطولية

وتخليدًا لهذه الملاحم البطولية التي خاضتها مدينة الدرعية، جاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود «يحفظه الله»، بالدرعية، وركّز الجهود من أجل الارتقاء بها وإعادة تأهيلها، لتكلل هذه الجهود المباركة بتأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعية 1438هـ/ 2017م؛ بهدف تطويرها وربط جهود تأسيس حاضرها بمستقبلها، تأكيدًا للوحدة وتعزيزًا للفخر بهذا التاريخ العريق؛ لتقدم تجربة اكتشاف لا تُنسى، وتسلط الضوء على النواة التي تأسست عليها المملكة العربية السعودية.